الطلل هو حنو المكان علي آثار الحياة بعد رحيل الإنسان وهو بمعني من المعاني نحيب المكان واستشعار دائم بحسرة الفراق .. وقد اسقط الشعراء العرب حالة المكان في نحيبه علي ففد الأحبة على حالتهم الشعورية .. وتمثل ذلك في المقدمة الطللية المعروفة في الشعر العربي .. والتي حاول الشاعر العربي العاشق من خلالها انسنة الطلل ليستجيب لوجدانية الذكري وهول الفراق فقال عنترة : أَعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لم يَتَكَلَّمِ حتى تَكَلَّمَ كَالأَصَمِّ الأَعْجَمِ غير ان الطلل في هذه القصة يأتي في سياق جديد فبعد ان كان آلية لاستحضار النحيب اصبح بطلا له ، ليتحول من وسيلة إلي غاية ! من وسيلة لاستحضار الماضي إلي بطل فاعل ، متجاوزا حالة عنترة الذي أعياه رسم الدار ان يتكلم إلي حالة بطل تستقبله الطلول وإن بحزن شديد : ” وقف الطلل على الرسوم ” لتكتمل الحلبة بغيره من الطلول ” فحيته الطلول بالصمت الحزين ودفق النجيع في عيون الأمكنة الثكلى..” وتحول الصمت الحزين إلي بكاء صارخ بل إلي دموع بالدم (ودفق النجيع) وبما أن الأمكنة الثكلى تنتحب جمعا من الناس وهي أي الامكنة في صيغة الجمع تجلت كل صفات الحزن ودموع النجيع تراكميا لينكشف المستور وهو تجلي كل ذلك في مفرد ألا وهو فقد (غيمة ” سمراء” ) ماضج سكان الحلبة النائحة إلا من أجلها ولو على مستوى التجلي ! ونظرا لحاجة البناء الفني للقصة القصيرة جدا إلي التناقض والتضاد والإبهام تركت مسارات اليمة عصفت بكل صفات تلك الغيمة بعد ان ظلت ” تعزف للمساءات الهاربة لحن المسرة ” بطل تقاذافه يم المسرة وغضب المحبين الذي جاء بمثابة صفير الريح علي إثره اشتعل كل ما في ذاكرة الوجع من ألحان السرور ، وولي منتحبا كالمكان و كالطلل الذي هو الوجع ! ليطل الطل من جديد باحثا عن حبه الآفل ، المحترق ” نارا تلحد اللحن ” في ياس من حنو الإنسان وغرور واعتكاف بالمكان من اجل ان يبعث الحب من جديد ولو بطريقة لادخل للإنسان فيها ! سخطا وتمرد ا وضغينة عاطفية .. لكن غناء الطلل الذي هو العاشق واستغاثته بكل ارجاء الكون نال صداه فرددت هذه الارجاء “ستبعث الحياة ” مر بطل القصة بمسارات ألم مثلتها تجلياته الثلالث : طلل جبل صلد وجع غير ان تجليه في صفة الجبل الصلد مثل الضغينة العاطفية في أقسى حرقتها فالمكان الصلد هو الاملس من كل آثار للرحمة والإشفاق .. وهي صورة مستمدة من القرآن الكريم تعبر عن محو آثار العطاء بعد المَن ” ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ) ويشترك الصلد صوتيا مع عدة ألفاظ تخدم هذه الغاية (الصمود ، الصبر ، الصلب ، وهي الفاظ تعبر عن مفاهيم تشترك مع إيحاء الجبل في عدم اتصافه بالاستكانة والخضوع حتي ولو كانت الحبيبة بمثابة الوجع ” دوى صفير الريح في ذاكرة الوجع عويلا، ” تستجيب القصة القصيرة جدا “طلل” لخاصية التناقض والتضاد التي تعتبر من ابرز فنيات القصة القصيرة جدا .. فالبطل العاشق ينتحب حبه ويضعه في اللحد ” واشتعل العطر والماء في ثنايا الأمكنة نارا تلحد اللحن…” ثم يستنجد بالمكان ليبثه همومه وحاجته إلي انبعاث الحب (رددت الأصداء في الوهاد: ” ستبعث الحياة”..ياتي كل ذلك في لقاء بديع بين ماهو سريالي لاينتهي من المحاولة وماهو وجودي مستسلم لعجز الإنسان امام القدر وذلك عن طريق إحضار اللحد وبين التعلق بالبعث وثنايا اللحد لايبقي للحب إلا مصير سكان جهنم “ثم لايموت فيها ولايحيا ” لولا ان البعث حقيقة طالب بها فريق كوني استنجد به البطل ” عانق الطلل الرمل الابيض وأشجار “التمات” و ” الأتيل”، وغنى للوديان والسهول والكثبان أنشودة البعث.. رددت الأصداء في الوهاد: ” ستبعث الحياة”..”