ولد امخيطير../ محمد ولد حريمو
أحجمت منذ بداية قضية ولد امخيطير عن التعليق عليها أو التدوين عنها قاصدا غير ناس إلا ما كان من عمل يعني تغطية إخبارية.
أحجمت لأسباب كثيرة، أولها أنني أؤمن بأن نقاش المسألة يعطي لصاحبها حجما أكبر من حجمه، ويعطي فعله قدرا، وهذه غاية سعى إليها ولد امخيطير، فقد نشر مقاله ليعلم به الناس لا ليخفي وجهة نظره البئيسة.
أنا أدرك تماما أن أي قول لا ينسجم مع مزاج الشارع بشكل تام قد يؤدي بصاحبه إلى أن يقذف بالسوء ويرمى بأبشع ما يرمى به المسلم، لذا تريثت، ولا أخفيكم أنني خشيت لوهلة أن أقع ضحية كما وقع آخرون.
عرفت ولد امخيطير أيام الجامعة، قبل نحو تسع سنين، وعرفت مجموعته كلها، وكانوا يحملون أفكارا كثيرة، إلحادية على وجه الدقة، منها أقكار مشوشة صلبها تقليد ومحاولة “تقدمية” ومنها أفكار مبنية على الشاذ من المذكور في كتب التاريخ. وجميعها تشترك في إثارة الجدل ومحاولة الاختلاف مهما كلف ذلك الاختلاف.
بعض أفراد تلك المجموعة ما زالوا يحتفظون بنفس الأفكار، وهم مع ذلك يحرضون هنا في الفيسبوك على ولد امخيطير ويستدعون معاني لم أعهدهم مدافعين عنها على الإطلاق. والبعض الآخر تبدلت حياته تماما، أصبح أكثر تدينا، وأعقل تدينا، نعم أعقل تدينا لأنه صار يمارس عباداته بحب خالص وقناعة بيّنة.
كلهم سيلقون ربهم ولا شأن لي بما يعتقدونه ما لم يمسوا عقيدتي، وكل ما باليد أن نرجو الله لهم الهداية والسير على منهاج الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
لكنني أريد الإشارة إلى ما نعلمه ونتجاهله، ولا نريد الخوض فيه.. لدينا ظاهرة إلحاد، لدينا ملحدون كثير منهم المسالمون وفيهم العدوانيون. إخفاء ذلك أو التستر عليه جرم، لا يحق لنا بعده أن ندعي “النصرة” أو نحتج بالإنكار، ولي عودة إلى النصرة بعد قليل.
أنا لست فقيه شرع ولا قانون، بالكاد أكون درويشا من المقلدين من عامة الناس، يسأل الله أن يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا، لكن قارئ التاريخ الإسلامي يجد آلاف الملحدين والمشككين والسائلين، منهم من أعدم، ومنهم من ناقشه علماء الأمة فأعادوه إلى جادة الصواب أو أعجزهم ذلك.. المهم أن النقاش كان قائما، وفي هوامش النقاش استفادت العامة واتسعت آفاقها فهما للدين وعملا بمقتضى الفهم. (أنصحكم بقراءة منشور أكاديمي عن هذه النقطة على صفحة الأستاذ الباحث أبو العباس ابراهام Abbass Braham).
ولحكمة من الله كانت آراء الأئمة مختلفة في أحكام كثيرة، منها الردة والزندقة، ومن حكمته أن بعض الدعاة الذين نحتفي بهم اليوم كانوا ـ وفق قولهم ـ ملحدين في أوقات مضت، لا نحن ولا هم طلبنا إقامة الحد عليهم (حدا لا كفرا)، بالعكس نجدهم قدوات ونعتبرهم أمثلة تضرب للناس لعلهم يعقلون.
اعتقادي أن حكم التعزير الذي صدر مخفف جدا ولا يليق أن يكون حكما على من مس الجناب النبوي، لكن اللوم فيه لا يقع على المحكمة إطلاقا. إذا كنا نطلب أن يكون قضاؤنا مستقلا فعلينا أن ندعمه في الالتزام بنص القانون.. إذا كنا سنتحج بعد ذلك فعلينا الاحتجاج على النص نفسه، وعلينا إذ ذاك أن نحتج بدليل شرعي.
تخيلوا معي لو أن حوارا بين ولد امخيطير وبعض أهل العلم سبق المحاكمة وسبق النصرة، وبث الحوار على الأثير، وأعملت فيه أسئلة المتهم في مقابل أجوبة العلماء، أو لم يكن ذلك أجدى لدرء ضرر قد يأتي لاحقا ممن يجدون في ولد امخيطير مثالا؟ أو لم يكن ليستأصل الخلل بدل إخفائه؟
الله حسيب من خلقوا “النصرة” أول الأمر.. الله حسيبهم فقد جروا الموريتانيين عن سابق قصد إلى فتنة لن تنتهي قريبا، آزروا حنقهم حتى يغلب صوت الشرع، وحركوهم لأغراض غير مفهومة ولعبوا بعواطفهم وأقنعوهم أنهم هم الحق المطلق. ثم لما وقع الحكم، اكتفوا بتسجيلات الهاتف ومقاطع الفيديو.. هذا لا ليس انتقاصا من مقام هؤلاء السادة الأفاضل بقدر ما هو استغراب من صحفي هاو، ومقلد تابع.. إذا كنت حركت الجمهورية كلها والمحاكمة في أولها للمطالبة بإعدام المسيء لنفسه، فلم لم تتحرك محتجا بعد صدور الحكم؟
الدين سمح، وفعلة ولد امخيطير دنيئة، ونحن لسنا أهل الدين.. لأننا لو كنا كذلك لما استللناه من بين أصحابه، فقبلنا توبة أصحابه ونفينا توبته.. هذا ما لا نريد قوله، ومن بين أصحابه فاعلون في النصرة، ومسؤولون في الدولة ومدونون ونشطاء.. والغالب أن بعضهم يقرأ هذه التدوينة ثقيلة الدم الآن.
إن مسؤولية هذا الملف برمته وما ترتب عليه من أضرار لعامة الناس تقع على الصحافة الموريتانية أولا إذ نشرت مقال المسيء وهي بلا شك تعلم ضرره على أمن البلاد، ثم على الدولة إذ سمحت (أو شاركت) بالتلاعب بمشاعر الناس، ثم على جمهور العلماء الذي لم يشارك فعليا في النقاش.. إما لخوف من رد فعل العامة، أو لخشية من تصرف الدولة. كان على علمائنا أن يكونوا واضحين مع أنفسهم ومع الناس، فإن كانت الفعلة الدنيئة لهذا الدنيء تستوجب إعداما فلم الصمت؟ وإن كان فيه قول فالإيضاح واجب حتى ولو كان ضد هوى الناس.
إن من بين النتائج التي حصدها البلد على مدى سنوات أربع من قضية المسيء (والذي كان نصف مقاله سرقة من مقال لغيره) هي أن نطفة من التطرف زرعت في أكبر حملة حدثت في تاريخ البلد، إضافة إلى ما كان من تعزيز لقوة الملحدين ولبعض حججهم التافهة، ثم ما وقع من ضرر على ممتلكات الناس وفي أبدانهم.
كل ذلك يهون لو كانت نتيجته نصرة جناب سيدي وحبيبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكن نصرة الحبيب المختار لم تأت كنتيجة للأسف لكل هذا اللعب بمشاعر المسلمين.
104 تعليقات