عن سميدع والكادحين/ محمدو ولد إشدو
في ذكرى وفاة المناضل سيدي محمد ولد سميدع رحمه الله، نشر بعض الكتاب والمدونين مقالات عن حياته العطرة، وعن تاريخ الحركة الوطنية الديمقراطية المجيدة، تحت عناوين متعددة مثل “في ذكرى المناضل سيدي محمد ولد سميدع”… “سيدي محمد ولد سميدع”.. “سميدع وصيحة المظلوم والفاجعة الكبرى”.. و”الرفاق يخلدون أيقونة النضال سميدع”.
ونظرا لما احتوته تلك النصوص من أغلاط ومبالغات وتحريف، فإني رأيت من واجبي وأنا واحد ممن عاشوا تلك الفترة البطولية من تاريخنا،أن أمحص ما يمكنني تمحيصه منها؛ وذلك وفاء لذكرى هذا الوطني الجليل ولتلك الحركة الوطنية العظيمة، وإحقاقا للحق، فالحق أحق أن يتبع:
1. إن حياة سيدي محمد سميدع النضالية لم تتجاوز للأسف خمس سنوات. وخلال هذه الفترة ساهم سميدع بقوة في دفع حركة النضال من أجل التعريب عبر مجلة “موريتانيا الفتاة” وإقدامه على مناشدة الرئيس أن يرسّم اللغة العربية أثناء زيارته لثانوية انواكشوط، وقيادته مع كوكبة من أقرانه (المصطفى ولد الشيخ محمدو، يحي ولد عمر، ممّد ولد أحمد، حبيب الله ولد عبدو، محمد المختار ولد الزامل، سيدي محمد ولد ابنيجاره) لإضراب 9 فبراير ضد حركة رفض تدريس اللغة العربية في المدارس، التي كانت ترعاها وتوجهها السفارة الفرنسية في موريتانيا؛ كما ساهم في قيادة حركة التنديد بالعدوان الإسرائيلي الأمريكي البريطاني على العرب سنة 1967 وقطع العلاقات الموريتانية الأمريكية والبريطانية؛ وكذلك في وضع اللبنات الأولى للحركة الوطنية الديمقراطية، وذلك عن طريق الانتقال بحركة القوميين العرب – التي كان من قادتها- إلى نبذ العنصرية والقومية الشوفينية وتبني الفكر الوطني الديمقراطي، وذلك خلال مؤتمري تاكوماجي (68) وكيفه (69) وتوحيد مختلف مكونات الطيف الطلابي العربي في المشرق وباريس وداكار في اتحاد واحد هو اتحاد الطلاب والمتدربين الموريتانيين الذي ولد في دمشق بمبادرة من الطالب محمد محمود ولد اماه (الدكتور اماه) والذي شاركتُ في إنشائه إلى جانبه، كما شارك في إنشائه أيضا كل من المصطفى ولد اعبيد الرحمن، وعبد الله بن إسماعيل، والسالك ولد اباه، وإسلمو ولد محمد الهادي، والعتيق ولد احبيب، والشيخ ولد جبه، والمحجوب بن بيه الذي انتخب رئيسا للاتحاد.. وغيرهم. وقد أصبح هذا الاتحاد شاملا وجامعا لكافة الطيف الطلابي من مختلف المشارب والمكونات الوطنية. وعن طريق التوجه والارتباط بالحركة العمالية في الشمال وقيادة التنديد بمذبحة عمال ازويرات على مستوى الشبيبة المدرسية والطلابية، وإصدار نشرة “الكفاح” التي أصدرها مع بعض رفاقه من داكار.
2. إن ما ورد في نهاية الصفحة الأولى من مقال “في ذكرى المناضل سيدي محمد ولد سميدع” الذي نشرناه في الحلقة الرابعة من هذا الملف لم يكن دقيقا، وكان فيه خلط كبير بين المراحل؛ فمؤتمر ألاگ مثلا كان في الثاني من مايو 58 بينما كانت الطاولة المستديرة واندماج الأحزاب الوطنية في “حزب الشعب” في منتصف سنة 61. ولم تكن توجد جبهة معارضة يومئذ، ولم تكن نشرة “الواقع” سياسية؛ بل ثقافية، ولم تعمر طويلا. أما نشرتا موريتانيا الفتاة والكفاح فقد كانتا سياسيتين، وإن كان تاريخ ظهور الأخيرة منهما هو 68 من داكار (وليس 67). وكانت الإضرابات العمالية في شركة “ميفرما” عفوية؛ بما فيها إضراب 29 مايو 1968. “والمصطفى ولد الدمين” شخصية أسطورية لا وجود لها في الواقع. ولم يكن يوجد فكر أحمر في موريتانيا قبل هزيمة 67 وأحداث ازويرات 68. ولم تضع الحركة الوطنية في جدول أعمالها تأميم “ميفرما” إلا بعد تلك الأحداث. كما أنها لم تطالب قط بجلاء القواعد الأجنبية لخلو البلاد منها منذ جلاء قاعدة “لاكوك” من أطار سنة 64 والتي كان جلاؤها بمثابة كارثة اقتصادية لسكان تلك المدينة.
3. إن الحركة الوطنية الديمقراطية التي تندمج فيها مختلف الفعاليات الوطنية والقومية في سبيل الوطن الموريتاني الواحد (اتحاد العمال الجديد UTMR؛ اتحاد الطلاب والمتدربين الموريتانيين UGSM) و”صيحة المظلوم” 29 مايو 1970 وحزب الكادحين منتصف أكتوبر 1972 وأغاني الفنان العظيم والمثقف الكبير محمد شين ظهرت كلها بعد مؤتمر تاكماجي، وبعد وفاة المرحوم سميدع؛ الذي كان له الفضل في خلق إرهاصاتها. ولم تستغل الحركة القبيلة والجهة قط في كسب الأنصار كما زعم المقال؛ بل هي من نبذت ووأدت تلك المفاهيم والانتماءات البالية، وحاربت الرق والفئوية، ورفعت راية الوطنية والمساواة تحت سماء الوطن ظلا ظليلا للجميع.
4. ذكر المقال في نهاية صفحته الثانية مجموعة من الأسماء زعم أنها رفاق سميدع الذين “حملوا المشاعل إلى أرجاء المنتبذ القصي” في حين أن من بينهم من لم يلتقوا بسميدع، رغم أهمية ما قدموه من مساهمة في تلك الحركة الوطنية الديمقراطية العظيمة. أما أصدقاء ورفاق سميدع الحقيقيون في النضال فهم السادة والسيدات: الشاعر أحمدو ولد عبد القادر، بدن ولد عابدين، عبد القادر ولد حماد، يحي ولد عمر، المصطفى ولد بدر الدين، المصطفى ولد اعبيد الرحمن، محمد الحسن ولد لبات، مريم بنت لحويج، السالكة بنت اسنيد، وفاطمة بنت عابدين.
5. إن الكادحين حزبا و حركة تأرجحوا في عنفوانهم سنة 73 في ظل الإصلاحات الناقصة (مراجعة الاتفاقيات الاستعمارية وإنشاء العملة) والقمع الشامل بين سياستين:
* سياسة رفض الإصلاحات والهروب إلى الأمام والدعوة إلى الكفاح المسلح في ظروف غير ملائمة له. وقد تبنوا تلك السياسة الخاسرة تحت ضغط شبابهم المتحمس ثلاثة أشهر.
* سياسة تبني الإصلاحات بصفتها تقدمية وثمرة نضال قوى الشعب الحية، والدعوة إلى قيام جبهة وطنية مع النواة الوطنية الإصلاحية في النظام تحمي الإصلاحات وتسعى إلى تحقيق برنامج وطني يتكون من عدة نقاط من أهمها ترسيم اللغة العربية وكتابة اللغات الوطنية الأخرى، تأميم ميفرما وسوميما، وإطلاق الحريات الديمقراطية، وتصفية العبودية، وتحسين أحوال الشعب، وتحرير المعتقلين، وإصدار عفو شامل عن المطلوبين، وتسوية أوضاع المفصولين.. الخ. وقد تبنوا هذه السياسة الرشيدة فور نبذهم لتلك الخاسرة ورفضوا أن يكونوا احتياطيا وحليفا لليمين المعارض للإصلاحات؛ والذي بدأ يغازلهم وينظم صفوفه ويرفع رأسه تحت عنوان “حزب العدالة الموريتاني”. وقد آتت تلك السياسة أكلها وحققت جميع أهدافها رغم معارضتها من طرف يمين النظام ويسار الكادحين: مهرجان الشباب في أغسطس 74 الذي كان بمثابة مؤتمر وطني، تأميم ميفرما في 28 نوفمبر 74، تأميم سوميما وبياو، والعفو العام، وإخلاء السجون من سجناء الرأي، وتوزيع الأراضي على سكان أحياء الصفيح والمخيمات، ودعم بعض المواد الأساسية والأدوية، ثم صدور ميثاق وطني تقدمي لحزب الشعب، وعقد مؤتمر وطني للشباب تمخض عن انتخاب قيادة وطنية تقدمية تشارك في قيادة البلاد.
6. وفي المقابل، اندمج الكادحون في حزب الشعب دون أن يحلوا تنظيماتهم، وظلوا متمسكين بذلك القرار وبسياسة الوحدة الوطنية رغم حرب الصحراء التي عارضوها، وبذلوا مساعي عديدة من أجل إنهائها وتجنيب شعوب المنطقة ويلاتها. وفي ذلك السياق رفضوا في لجنتهم المركزية مشروعي قرار تقدمت بهما الأقلية اليسارية يرميان إلى فك الجبهة الوطنية مع النظام؛ يدعي أحدهما وجود ميز عنصري في موريتانيا، ويرى الآخر الاصطفاف وراء البوليزاريو بصفتها “تخوض أرقى أنواع النضال؛ وبالتالي فهي التي تمثل الحق”.
7. عارضت قيادة الكادحين انقلاب العاشر من يوليو قبل – وبعد- وقوعه، بينما أيده وتحالف مع مختلف أنظمته – وخاصة نظام الرئيس محمد خونه ولد هيداله- بعض المنسحبين من حزبهم وحركتهم. وقد وجه نظام ولد هيداله جهاز قمعه ضد الكادحين؛ وخاصة بعد انقلابه على الرئيس أحمد ولد بسيف وتحالفه مع معسكر بوليزاريو، فهاجر جل قادتهم وأعلنوا تشكيل التحالف الموريتاني الديمقراطي (AMD) الذي ساهم في الإطاحة بنظام هيدالة وإقامة نظام 12/12 على علاته.
8. ولم يُبْقِ القمع والتشريد والكبت واختلال المفاهيم خلال نظامي الرئيسين محمد خونه ولد هيدالة ومعاوية ولد الطايع اللذين داما أزيد من ربع قرن وجودا منظما للكادحين. وقد حاول كثيرون امتلاك واستغلال “الأصل النضالي” للكادحين وللحركة الوطنية الديمقراطية ولسميدع، لكن سرعان ما ظهر أن ما يروجونه ليس إلا “تقليدا” مغايرا للأصل الثابت.