من يحمي الفرنسية ويفرضها؟! /محمد محفوظ أحمد
للغة الفرنساوية في دول شمال إفريقيا العربية ترسب وتمكن لا تخطئه العين والأذن، رغم هيمنة اللغة العربية على النفوس وسيطرتها في الدوائر والقطاعات الرسمية. لكن فرنسا تركت مع لغتها وثقافتها في كل مكان هناك بنية تحتية ومؤسسات تعليمية واقتصادا وخبرات متمكنة، فضلا عن إلمام معظم الناس بالفرنسية، بسبب طول وسعة التواجد الفرنسي الذي كان يشمل الحضور المدني العائلي القاعدي… أما هنا، في موريتانيا، فلا وجود لشيء من ذلك. ولم تترك فرنسا إلا سيئاتها، وأرادت أن تفرض لغتها وثقافتها مجانا بدون أي مقابل؛ مستغلة بخبث حالة العوز والضعف والتهديد… التي واجهت إقامة دولة من الفراغ! لم تكتف فرنسا بمحاربة العربية وثقافتها ومثقفيها، بل ظلت تشجع سرا وعلانية جعل لغتها المجهولة والممقوتة عامل تمزيق وتأزيم للحياة العامة، وزرع الحواجز والمخاوف والأوهام… بين فئات هذا الشعب الذي يجمعه الإسلام في مذهب واحد (والإسلام بدون خلاف لغته الأساسية هي العربية). ورغم ما حدث ويجري من شحن عنصري وترهيب من اللغة العربية بين الفئات غير الناطقة بها أصلا، فإن من أهم الأعمدة التي تقف عليها الفرنسية وتحلأ بها العربية عن حياض الحياة الكريمة هي أعمدة وهراوات القطاع الخاص، الذي يملكه ويتحكم فيه أبناء الفئة الناطقة بالعربية (البظان)!! وبالتوازي والرضوان، بل التشجيع، تقوم القطاعات الفنية والمالية الحكومية وشبه الحكومية، باعتماد الفرنسية وإبعاد وازدراء اللغة العربية وتهميش المكوَّنين بها بشكل واضح وفاضح في انتهاك الدستور وصدم روح المجتمع وهويته… وما فرنسة تعليم المواد العلمية في المناهج الرسمية، التي تخرب التعليم اليوم، سوى عمل “رسمي” في هذا الاتجاه الخاطئ. والحاصل أن الصورة النمطية لدى البعض بأن إخوتنا من “لكور” هم من يفرض الفرنسية ويحميها، هو كذب وظلم؛ حتى وإن كان بعضهم لم يدرس غير هذه اللغة الأجنبية. فكثير من هؤلاء الإخوة، يعانون نفس المعاناة من هيمنة الفرنسية واحتكارها لغطاء وعطاء الدولة. ولا تقتصر تلك المعاناة على المستعرِبين منهم، وهم كثر، بل تبدأ بمن لا يتكلمون غير لغاتهم الوطنية الأم، وهم الأغلبية الساحقة! أما “المخاوف” ومحاولة شيطنة المسألة اللغوية وتفخيخها… فأساسها على الدوام المكر السياسي والاستغلال “القذر” للعنصريين وصنائع التبعية والتأثير الأجنبيين؛ وتلك ـ مع الأسف ـ “دسائس” مشتركة لا ذنب فيها لعجمي على عربي ولا لعربي على عجمي… بل هي قوادح في الطرفين ترهق حياتنا وتهدد وحدة مجتمعهنا الذي يجمعه كل شيء سوى هذه العناصر القليلة الضئيلة!! غير أن مواقف السلطة العمومية وعدم جديتها في اعتماد التعريب، وعدم اهتمامها باللغات الوطنية ـ انتهاكا للدستور ـ وإهمالها لشأن التعليم وتركه للقطاع الخاص… لم يضر العربية وحدها، بل أصاب بالضيم التفاعل والتعاطي مع اللغات الوطنية، وحد من تبادل معرفتها بين مختلف المكونات، بسبب الفصل “العنصري” الذي خلقه تحلل المناهج وجسدته فوضوية التعليم الخاص، وانتشار التعليم الأجنبي! وهذه القطيعة، والانعزالية، هي أكبر خادم للغة الفرنسية وضامن لسيادتها، لكونها ستصبح اللغة الوحيدة “المشتركة”… “الوحيدة”!!