السارق الفصيح لا تقطع يده
حدَّث بعض جلساء عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون قال :
خرجتُ إلى بستانٍ لي بالغابة ، فلما دخلتُ الصحراء وبعدت عن البيوت تعرض لي رجل فقال : دع ما معك وإلا أوقعت بك المكروه
فقلت : أيَّدَك الله إن لأهل العلم حرمة ، وأنا قاضي البلد ، فَمُنَّ عليَّ
قال : الحمد لله الذي أمكنني منك، لأني منك على يقين أنك ترجع إلى كفاية من الثياب والدواب، أما غيرك فربما كان ضعيف الحال فقيراً، لا يجد شيئاً .
قلت : أين أنت مما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« الدين دين الله ، والعباد عباد الله ، والسنة سُنَّتي ، فمَن ابتدع فعليه لعنة الله » ، وقطعُ الطريق بدعة ، وأنا أشفق عليك من أن تدخل تحت اللعنة .
قال : سيدي هذا حديث مُرْسَل ، لم يُرْوَ عن نافع ، ولا عن ابن عمر ، إن ما معك هو حلال لي ؛ فقد روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم قال: « لو كانت الدنيا دماً عبيطاً لكان قوت المؤمنين منها حلالاً ».
ولا خلاف عند جميع العلماء أن للإنسان أن يحيي نفسه وعياله بمال غيره إذا خشي الهلاك ، وأنا واللهِ أخشى الهلاك على نفسي وفيما معك إحيائي وإحياء عيالي فسَلِّمه لي وانصَرِف سالماً ، هيّا اخلع ثيابك
فقلت : وما يدعوني إلى خلع ثيابي ؟
قال : أنا أولى بها منك
قلت : ومن أين ؟
قال : لأني أخوك ، وأنا عريانٌ وأنت مكسوّ
قلت : فأعطيك بعضا منها
قال : كلا ، لقد لبستها كلها وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها
قلت : فتعرّيني ؟ وتبدي عورتي ؟
قال : لا بأس بذلك ، فقد روينا عن الإمام مالك أنه قال : لا بأس للرجل أن يغتسل عريانا
قلت : فيلقاني الناس فيرون عورتي ؟
قال : لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضتُ لك فيها
قلت : أراك ظريفًا ، فدعني حتى أمضي إلى بستاني وأنزع هذه الثياب فأوجه بها إليك
قال : كلا ، أردتَ أن توجه إليَّ بأربعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحبسني ويمزق جلدي ويطرح في رجلي القيد
قلت : كلا ، أحلف لك أيمانا أني أفي لك بما وعدتك ولا أسوءك
قال : كلا ؛ إنا روينا عن مالك أنه قال لا تلزم الأيمان التي يحلف بها للصوص .
قلت : فأحلف أني لا أحتال في أيماني هذه .
قال : هذه يمين مركبة على أيمان اللصوص .
قلت : فدع المناظرة بيننا ؛ فوالله لأوجهن إليك هذه الثياب طيبة بها نفسي .
فأطرق ثم رفع رأسه ؛ وقال : تدري فيم فكرت ؟.
قلت : لا .
قال : تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا فلم أجد لصا أخذ نسيئة ؛ وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعة يكون عليّ وزرها ووزر من عمل بها بعدي إلى يوم القيامة …. اخلع ثيابك .
قال : فخلعتها فدفعتها إليه فأخذها وانصرف .
من صفحة الاستاذ أحمدو الامين الغزالي
107 تعليقات