الوفاء والاستيفاء!/ محمد محفوظ أحمد
اليوم مررت بمباني المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، فقلت أتجول في المباني الفخمة لهذه المؤسسة العريقة؛ فأتذكر أيامها الزاهرة وطلابها وأساتذتها العلماء، وأترحم على من مضى منهم…
ألفيتها نفس المباني، مع إضافات قليلة وتعديلات يسيرة، وبهَتٌ هائل يعززه التلوث وانعدام الصيانة وقلة النظافة.
لقد شاخت المباني ـ مثلنا ـ وترهلت أرصفتها، ولبست أبوابها وجدرانها ـ المتقنة أصلا ـ أسمالا بالية من أثر الإجهاد والإهمال، وشوهتها ولوثتها الملصقات وبقاياها وآثارها المنتشرة، ونسج العنكبوت، وحطام ما بليَ أو تكسر من الكراسي والطاولات والأدوات والأجهزة… التي تكومت أكواما تحتل بعض الممرات والساحات الواسعة التي كانت يوما حدائق خضراء…!
ويحاول عشرات الشباب الجالسين في الفصول والمتحركين، زرافات ووحدانا، في الممرات، بث الحياة في الأروقة والحجرات وبين الجدران الشهباء…
*
كان أول ما طالعت قرب المدخل لافتة جميلة كتب على بابها بخط ضخم: “محمد عبد الله بن المصطف”!
تذكرت أنه الشاب المحظري الذي عرفته مستمعا دائما مشاركا في مسابقات برامج إذاعة موريتانيا، ثم ـ بعد ذلك ـ مفتيا في بعض برامجها الدينية، ثم التحق بأساتذة م ع د ب إ، قبل أن يختطفه الموت إلى رحمة الله في حادث سير محزن.
وقريبا من تلك الحجرة حجرة أخرى كتب على بابها بخط دون ذلك قليلا: “المختار بن بونا”!
هو إذن تكريم جميل لبعض العلماء، ولا شك أن أسماء أخرى كثيرة لم أرها تحملها قاعات هذا المعهد، التي ازدانت أياما بطلعات وأصوات “يحيان” و”الناه” ومحمد سالم المحبوبي والناجي وجمال… وغيرهم؟!
وعلى جدران هذه الحجرات ألصقت عشرات اللوائح بأسماء ونتائج اختبارات الطلاب…
وفي هذه اللوائح خطأ لا يغيب، أثار استغرابي أن يكون في كل لائحة من تلك اللوائح الكثيرة… حتى على باب مدرج العلامة المختار بن بونا! حيث دونوا في خانة خلاصة نتائج كل طالب إحدى العبارتين:
“استوفى” أو “لم يستوفي” (بإثبات الياء)!
ويبدو أن “لم” بالنسبة لسكرتارية المعهد، وبالتالي إدارته وأساتذته، لم تستوف حقها المعلوم! وهي التي تركها ابن بونا، كغيره من النحاة، أقوى الجوازم وأشدها صرامة وحسما…!!
أي استيفاء هذا وأي وفاء… وأي تعليم عال؟!!
من صفحة الكاتب على الفيسبوك
160 تعليقات