الحل في الحل..الاختراق والتغلغل…
يقول محمدن الرباني، نقابي إخواني، في تدوينة بين الشوطين…”… أهدي تهنئة خاصة لآخرين نجحوا من أحزاب محسوبة على الأغلبية لكنهم مظنة الدوران مع الحق واعتبار الوطن أولا، منهم المرشد الأعماقي محمد الأمين سيد مولود … وآخرين متفرقين في أحزاب الأغلبية.” يكشف الرباني هنا أسلوبا إخوانيا رافق الجماعة منذ التأسيس؛ اختراق الأحزاب السياسية والتغلغل في الإدارة والمجتمع المدني. فقد كان العيسوي الذي اغتال أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر سنة 1945 عضوا في النظام الخاص لجماعة الاخوان مزروعا في الحزب الوطني، ولم تكشف حقيقته إلا في الثمانينات، حين ورد الاعتراف “…على لسان السيد سابق في جريدة (المسلمون)، بأن اغتيال ماهر نفذه التنظيم الخاص للجماعة وان العيسوي كان منخرطا في التنظيم الخاص بشكل سري حتى وان تصور الجميع انه منخرط بالحزب الوطني.” والسيد سابق هو أحد قادة النظام الخاص. وتعزز هذا الاعتراف بشهادة الشيخ الباقوري عضو مكتب الارشاد والمرشح الأبرز لخلافة البنا “… الذي كتبت ذكرياته في صحيفة المسلمون أيضًا ثم صدرت بكتاب عن مركز الأهرام للترجمة والنشر وفيها يقطع بأن جريمة اغتيال ماهر كانت بتخطيط وتنفيذ الجهاز الخاص للجماعة…”
وقد كان معروفا أن البنا رحمه الله وجه التنظيم إلى اختراق التنظيمات اليسارية ضمن الخطة التي رتبها مع الأمريكان لمحاربة المد الشيوعي، يقول الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق ” بالفعل كانت هناك محاولات إخوانية لاختراق الأحزاب المصرية عبر تاريخهم وقد كشفت وثائق الكونغرس الأميركي وتقارير ما يسمى اللجنة الفرعية الخامسة (sub committee 5) وتقارير (سي آي إيه) أن حسن البنا أرسل أشخاصا ليقوموا بأعمال استطلاع واستكشاف للأحزاب المعادية لأميركا والموالية للاتحاد السوفياتي للتعرف على ما يحدث.” ولم يتوقف الأمر عند الأحزاب اليسارية وإنما شمل كل الأحزاب من الوفد إلى “هيئة التحرير، والاتحاد الاشتراكي”، فالحزب الوطني أيام مبارك، والتنظيمات الشبابية التي أشعلت فتنة الربيع.
نهج التغلغل والاختراق ستتبناه فروع التنظيم في جميع الأقطار، ولم تكن بلادنا استثناء. فقد عمل التنظيم، خلال فترة العمل السري على اختراق الحركات السرية والتغلغل فيها. وقد أفلحوا بشكل كبير في اختراق الحركة الناصرية والتغلغل فيها. فلا تكاد تجد فردا من قياداتهم إلا وله ماض ناصري؛ بمعنى أنه قضى فترة مزروعا في التنظيم الناصري. وخير مثال على ذلك رئيس تواصل الحالي، وغيره من قيادات التنظيم المعروفة بتاريخها الناصري. وحين أظلتنا ديمقراطية “لابول” توزع التنظيم على الأحزاب السياسية في الموالاة والمعارضة. وهي اللعبة التي مازال يمارسها حتى يوم الناس هذا. فقد أظهرت هذه الانتخابات مدى تغلغل التنظيم في الأحزاب السياسية موالاة ومعارضة، وفي الأحزاب المنتمية إلى القطاع غير المصنف سياسيا. فقد كان من اللافت كثرة المرشحين الشباب غير المعروفين وعلى قوائم أحزاب لم يسمع بها أحد. وهذه إحدى استراتيجيات التنظيم التي نفذها في مصر عن طريق ” العمل الخفي لاختراق بعض الأحزاب والتأثير على قراراتها من خلال أشخاص غير معروفين أو من خلال توجيه مباشر بالمال.” فبأي معنى يرشح حزب من الموالاة مدونا إخوانيا معروفا على رأس إحدى لوائحه!!! وكيف يستساغ أن مندوبا جهويا لحزب من المعارضة المحاورة يعلن تأييده للإخوان دون الرجوع إلى قيادة الحزب!!! وهل يعقل أن يتصارع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مع أحزاب من الموالاة في الشوط الثاني! فللأحلاف الحزبية قواعد مرعية في اللعبة الديمقراطية تقتضي أن توقع أحزاب الأغلبية اتفاقات سياسية تعتمد تنسيق الترشيحات في الدوائر المختلفة فلا ترشح ضد بعضها البعض. والصيغة الأخرى أن يتنافس الجميع في الشوط الأول لكن الأحزاب المتحالفة تتبادل الدعم في مواجهة الأحزاب الأخرى والتنازل لمن حصد أصواتا أكثر. أما ما حدث في هذه الانتخابات فهو دليل على اختراق الجماعة لأحزاب الأغلبية التي دخلت معارك بينية شرسة ستخلف آثارا سلبية ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية خلال شهور قليلة. (ربما طالعنا “نحارة النص” بعنوان عريض.. ولد الداه يهاجم أحزاب الأغلبية… وفيكم.(
كما يتجلى الاختراق والتغلغل في نتائج حققتها الجماعة في مناطق بعيدة من نفوذها ومحصنة في وجه أيديولوجيتها. فقد كان من اللافت منافسة الجماعة في الشوط الثاني في كنكوصة وازويرات. فهذه حالات لا يمكن تفسيرها بظاهرة “المغاضبين”؛ فالمغاضب يترشح على لوائح أحزاب الأغلبية، أو أحزاب الكرتون، في أسوء الأحوال. أما التصويت لمرشحي الإخوان فهو دليل دامغ على وجود خلايا نائمة تنشط عند الحاجة إليها.
تظهر استراتيجية الاختراق والتغلغل في هيئات حزب تواصل القيادية. فللحزب مكتب تنفيذي ومجلس شورى لا يعرف أعضاؤهم الذين قد يكونون أعضاء قياديين في أحزاب، وهيئات مجتمع مدني، ومواقع ألكترونية. فلماذا حذف حزب تواصل أسماء مجلس شوراه السابق من موقع الحزب، ولم يعلن أعضاءه الجدد!! لقد رفض التنظيم الأم في مصر حل نفسه حين شرع له حزب سياسي، ولا يزال الفرع عندنا قائما في الخفاء… لا يزال الصقر رابضا فوق النخلة ناشرا جناحيه في كل التنظيمات السياسية والأهلية والادارية…ألم يكن هشام قنديل مديرا لمكتب محمود أبو زيد وزير الري في حكومة أحمد نظيف أيام مبارك، ثم أصبح وزيرا أول لمرسي! وقس على ذلك لتقتنع أن الحل في الحل…
محمد اسحاق الكنتي