كفى مزايدة على الجيش ـ الحسن مولاي أعلي
اتركوا عنكم الجيش، الجيش فوق الشبهات .. أبعدوا الجيش عن المهاترات .. كفوا سهام النقد عن الجيش .. الجيش مؤسسة سيادية .. الجيش محل إجماع وطني .. تلك شعارات وعشرات غيرها، تصاغ بعبارات منتقاة، وبمضامين ظاهرها تمجيد الجيش الوطني، واكبار الدور المقدس المنوط به، كحام للحوزة الترابية؛ لكن تلك الشعارات والصيغ، إنما تخفي في حقيقتها،
مستويات فجة – إلى حد الغباء – من المزايدة بجيشنا الوطني، وعليه، ومن الاستهزاء به، هيئات ووحدات وأفرادا، وسلب عناصره صفاتهم الإنسانية الأصلية، كمواطنين صالحين، موفوري الحرية الإنسانية.
نعم… من الناحية النظرية، وبمقتضى العدل والحق والقانون، فإن الجيش، أي جيش، هو مؤسسة سيادية، ذات مهمة مقدسة، بالإجماع، وهو مصون عن التلاعب والتحامل والصراعات والخلافات، وعن الزج به في غير ما هيئ له، وهو يستحق على الجميع إيلاءه كل المساندة والتأييد، وفائق الاحترام والتقدير، لكل كتائبه وتشكيلاته وفرقه ومفارزه، وعلينا أن نولي كل فرد فيه نظرة التكريم والتقدير التي تليق به، لكن ليس لأحد من الناس، كائنا من كان، أن يمن على المواطنين بجيش هو جيشهم؛ فهو جيش موريتانيا مجتمعة، وليس جيش شخص أو قبيلة أو فئة أو جهة أو حزب أو مرشح؛
كفى..! نقولها للذين يمنون علينا جيشها، وهو من أبنائنا وبناتنا، ويزايدون علينا بما تحققه فلذات أكبادنا، ويتطاولون علينا بلوازم الجيش ومعداته وسلاحه ووسائله، وهي من أموالنا وعرق جبين كل واحد منا، فلا تخص دوننا رئيسا ولا مرؤوسا، ولا وزيرا ولا خفيرا؛ فليتوقف الذين يمطروننا بالمواعظ بشأن جيشنا، ويطلبون منا الكف عن تقديم الملاحظات حول ما يتعرض له من امتهان وازدراء واستغلال، أو حول مسلكيات مشينة ابعض افراده، قادة وجنودا؛ فإن من يلعب معنا تلك اللعبة، إنما يجبرنا على العمل بمقتضى الحكمة الشعبية السائرة، وهي قولهم:” الي اتريالك خرص ركبت امراحه”؛
إذا كان من يعظنا بالكف عن حديث الجيش، يقدم الدليل على حرصه على الجيش وسمعته، وعلى الاحتفاء بشرف الجندية والجندي، وينظر إلى الجيش كمكتسب وطني، وإلى ما يحققه من نجاحات في التصدي لأعداء الوطن، كمجد ونصر لكل الأمة الموريتانية، وبالدرجة الأولى للأباة من حماة للبيضة القابضين على الزناد، ثم كان يؤثر الجنود على نفسه، ويبذل لهم الاحترام والتقدير والإكبار، قبل الرواتب والعطايا والتشجيعات، ويتكفل باهلهم وبيوتهم ومن فيها من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة، فيخلفهم فيها بالحسنى، كلما لبى أحدهم داعي الوطن، ثم يمكنهم من حقهم في عيش حياتهم الخاصة، طبقا لاختياراتهم وقناعاتهم، وإراداتهم، فمرحبا بمثل هذا الواعظ، وبمواعظه؛
أما إن كان واعظنا يمتهن شرف الجندية، ويستهين بكرامة الجندي، ويسخر الجيش لحراسته وخدماته المنزلية، ويستخدمه لتلبية رغباته وشهواته، وتأمين أهله وممتلكاته وما حازه من أموال، وربما اعتلى ظهره ليصل باسمه إلى سدة الحكم، غلبة وكرها؛ أو يلزمه الاقتراع في الانتخابات في مكاتب خاصة يساق إليها الجنود كالخراف، ثم يؤمرون بالتصويت لبعض بطانة الفساد؛ إذا كان هذا الواعظ من ذلك الطراز، فإنه لا يصلح واعظا، و”ركبت امراحه؟ لا تغري أحدا، وكما هو مقرر فإن الموعظة تدخل من حيث خرجت، ومن المؤكد أن كل مواطن صالح سيعرض عنها إعراضا؛
وبعد… فإن الجيش هو صمام الأمان للوطن، وهو عنوان مجده وشرفه وعزته؛ وله خصوصياته الفارقة، وأسراره التي لا يجوز الاطلاع عليها لغير من أسندت إليه، وهو خاضع للسلطة السياسية وحساباتها الإدارية والمالية؛ ومن الخيانة العظمى إفشاء أسراره المتعلقة بالقيادات والأعداد والتحركات والانتشار والتسليح والتدريب والتمويل والأهداف العسكرية؛ ولا يجوز الزج به في أتون الصراعات السياسية، فبذلك يفقد هيبته واحترامه، وتفقد مهمته قداستها؛
…ثم لا يكون الجيش بتلك المنزلة والأهمية البالغة، ما لم تتحقق فيه سمات الجيش الجمهوري، فلا تليق بحماة الوطن والأمة التبعيات أيا كان مصدرها، فهم للوطن، كل الوطن، وولاؤهم يجب أن يتمحض للوطن بلا شريك؛ أما خارج المهمة المقدسة، فإن عناصر الجيش وأفراده مواطنون لهم ما للمواطنين وعليهم ما عليهم، ويجب أن تتاح لكل منهم حرية ممارسة حياته طبقا لقناعاته.
عاش جيشنا المفدى، لتعيش دولتنا آمنة مطمئنة
تعليق واحد