خواطر/ ذاكو وينهو
…المكان شاطئ المحيط الاطلسي … الشمس تخلع آخر ثيابها الداخلية لتغرق فــــي المدى الممتد الى لا نهاية وتمتزج حمرة أشعتها المودعة بزرقة البحر الهائج ، الناس علــــــى الشاطئ بين هيط وميط , نزل من السيارة ليرى البحر لأول مرة في يقظته، نعم ليراه حقيقة لا صورة شعرية أو لقطة دعائية على الشاشة الصغيرة ، سار فـــــي خطى الواثق من نفسه الذي تعود زيارة البحر وتعوده البحر ، وخيل الــــــــــيه أن ولد آدم كلهم قد حضروا ليشهدوا النهار يحتضر ويجود بآخر انفاسه وانهم يتأهبون لتشييع جنازته ، راى البحر غولا يبتلع الشمس رويدا رويدا , البحر دنيا العجائب والاسرار , امواجه المتصارعة مع نفسها هي لغته ورسائله الى زوار الشاطئ , تخلق فيهم مزيجا من انس ووحشة , من انجذاب وخوف , من متعة واضطراب…
الفتيات على الشاطئ عابثات لاهيات، هذه تنزوي فـــــــــــي حجر ربوة صغيرة مع أنيس يتدفق من فمه الدخان كبئر نفط تحترق، وتلك تسير حافية القدمين فـــــي مشية إوزية ساذجة، وهنالك شابــــــات أكثر شقاء و أشد عبثا يتناولن كــــــل مار بنكتة وشغب، اماهو فقد مر بسلام ولعله لم يبلغ عندهن مستوى الـــنكتة فضنن بها عليه اذ كل ما يظهر منه صارف عنه ، نعلاه حديثتا عهد بإصلاح وتجميل الا أن رطوبة الــــبحر وانغراسهما في الحصباء الرخوة مساهما بعطب يتطلب علاجا مستعجلا، هكذا استفاد مـــــن سوء الــــمظهر ورثاثة الـــــحال , فقد نفعاه في هذه اللحظة الشعرية كما ينجو المهمشون من ضرائب الشرف الــــــقبلي، تقدم الـــــــى البحر , بل ان ألسنة أمواجه كانت تلحس قدميه لحسا خفيفا ومسرعا فيه حذر شديد ، فساءت الحالة الصحية لنعليه واحتاجتا الى اسعاف عاجل .
وقف على الشاطئ وراى البحر وامواجه ورأى المساء المتسارع مع هدير الأمواج ، وحانت لحظة القفول فعرج على الاحمدي والميناء وسوق السمك ورأى مستخرج الملح.
وفي الصباح كانت الــرحلة الى البنك وثم التقى اثنين من اصدقائه وكان من نعم الله على ثلاثتهم أن زائرات البنك في ذلك الصباح لما راينهم لم يكبرنهم ولم يقطعن ايديهن قائلات حاشا لله ما هؤلاء بشرا ان هؤلاء الا ملائكة كرام .
كانوا بين تلك الجموع التي يتنفس فيها النعيم والبذخ والموضة , كرعاة بداة يجلبهم مسترعوهم الى المدينة للتصويت او لركوب الجمال في استقبال امير البلاد , فيظهر التشاكس والتنافر بين مظهرهم في الدراعة الجديدة المنتفخة من آثار الصمغ والصباغة وبين ما يتراكم على اجسامهم من آثار التعب وشظف العيش ولفح الشمس وجفاف الصحراء…مع التحملق في كل شيء ..في ديار الحكومة …
توجه الى زميلين كريمين ليستريح معهما باجترار حكايات الطلبة ، واستعادة بعض الاشراقات ايام رحلة التحصيل العلمي , اما أحدهما فقيل له انه أصبح تاجرا فـــــــي مستودع للإسمنت ، واما الأخر فأخبروه أنه هجر مكتبه منذ زمن طويل وأصبح في دكان لبيع الحديد…..استحضر قصة اهل الكهف…
بدا لصاحبنا ان يبتاع حقيبة من “كوماديس” ومنها اشترى اول “سامسونيت” صغيرة باقتراح من مديره ليتميز عن التلاميذ وينجو من رفع الحارس “صامبو” له ليبعده عن باب الاساتذة الى باب التلاميذ.. ويتوقى ملاحقة المراقبة بنت عبد الفتاح له ليدخل الصف..وقف على الرصيف ..افتقد طابور المتسولين الطويل…ولم ير الخياط “مورتلا” الذي كان يعيد تطويع اقمصة “فوكوجاي” لتتناسب مع حجمه…لم ير صف ممتهني خياطة اليد وهم ينحنون في أبدية الصمت والخشوع والانقطاع لما خلقوا له…لم ير العنوان الكبير “كوماديس بيع لكس”…سال بعض المارة فظن بعضهم ا ن به مسا من الشيطان…لا احد يعرف او يذكر هذا الاسم….اتصل على احد الزملاء ليلتحق به..وقفا امام محلات تعرض بضاعتها من وراء واجهات زجاجية تساعدها مصابيح داخلية تطلق على البضاعة انوارا تكسبها الوانا خداعة…تحمل كلها ارقام هواتف….اتصل وفاجاته امراة …اوقف الاتصال مذعورا ليشرح لصاحبه نحس الطالع ..امراة…اعاد صاحبه الاتصال متوكئا على قسم ..يحلف انه يفضل خمسين اوقية على كل النساء”…ألو ذيك ملات البتيك؟؟؟..تجيب المسكينة “جيتك حنيني نتغد”…ولقسوته يرفض الانتظار ويتدلل بالبحث عن غيرها فالسوق مفتوحة وهو بالخيار…ونزلت الزرقاء..كل شيء ازرق…الملحفة ..النعل…البنطلون…السيارة…وقبل ان تصل اخرج البطل ورقة مائتي اوقية وقال لها خذي لي بيضتين ومسواكا من عند ذيك الكوريه…واردف ثلاث بيضات واحدة لك انت…لست ادري أي سحر جعلها تلبي الطلب بسرعة…للرجل لا شك بركة فما رآه الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غيره…تسمر صاحبنا وهو يسمع ثمن ارخص الحقائب مائة وعشرون الف اوقية….شر البلية ما يضحك…لا تعلم انه لا يسخو بالفي اوقية لحقيبة…لا تهمه الحميريات من القرشيات من البريريات…يريد حقيبة يلف فيها “بيجاما كاز” ونعلا منحط المحتد للخادمة…انسحبا في غطاء من العطاس والسعال المفتعلين …والمسكينة تعوض الخسارة بغيبتهما وتقشيرهما عن العظم…احد صخورها أنبأني ان القفص الصدري لزميلي يشبه شاحنة “صوبوما”..وآخر اخبرني اني اجعل الزر العلوي لقميصي في الفتحة الثانية…سارعنا الخطو مبتعدين عن حجارة امرأة تنفذ حد الرجم في القبيح الفقيرالمتطاول على بضاعة الجميلات…
171 تعليقات