من هنا نبدأ.. شماعة الدستور / محمد اسحاق الكنتي
بعد تفجيرات باريس تعالت أصوات في الطبقة السياسية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور. ورغم اختلاف النخبة السياسية حول المقترح لم يتحدث أحد عن “قداسة” الدستور، وعدم جواز المساس به، لإدراك الطبقة السياسية والمواطن العادي أن الدستور كتب ليعدل وفق مصالح الشعب الفرنسي، ولا يمتلك أي قيمة ذاتية بدليل أن المملكة المتحدة، وهي من أعرق الديمقراطيات في العالم ليس لها دستور مكتوب. والدستور الأمريكي تعرض للتعديل خمسمائة مرة منذ كتابته، ودستور “لابول” الذي يقدسه بعض سياسيينا تعرض للتعديل أكثر من مرة، والمواد المسماة “محصنة” حصنت بتعديل…
إذن، تعديل الدساتير، وكتابة دساتير جديدة، هو الأصل ولا يتوقف ذلك إلا على تحقيق مصلحة وطنية واتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها. ومن ثم، فإن النقاش الدائر حول تعديل “دستور لابول” يطرح الإشكال الخاطئ بإعطائه “دستور لابول” قيمة ذاتية لا يدعيها أي دستور في العالم! فيجب علينا؛ موالاة ومعارضة ومتربصين أن نسلم بأن “دستور لابول” كغيره من الدساتير، عرضة للتعديل والإلغاء، ونطرح السؤال الصحيح:”هل من مصلحة الوطن تعديل الدستور، أم التمسك بنصه؟” وبذلك يفتح نقاش سياسي وطني منضبط بالمصلحة العامة، ولنواب الشعب الكلمة الفصل فيه. جرت هذه النقاشات في بلدان إفريقية فشل بعضها فأفضى إلى ثورات شعبية وحروب أهلية، ونجح بعضها الآخر فأفضى إلى تعديل الدستور خدمة للمصلحة الوطنية، وحفاظا على المكتسبات والسلم الأهلي، كما حدث في رواندا، وفي تشاد، وغيرهما من البلدان الإفريقية التي غلبت طبقتها السياسية المصلحة الوطنية على غيرها من المصالح الفردية والحزبية والجهوية والقبلية…
وإذا أمعنا النظر في حالتنا الوطنية أدركنا أن “الدفاع عن الدستور” ليس سوى شماعة تتمترس خلفها مصالح ضيقة وتصفية حسابات قديمة. فالذين يرفعون “قميص عثمان” لم يشتهروا، عبر تاريخهم السياسي، بالدفاع عن الديمقراطية وتمسكهم بالشرعية؛ فقد وقف الإخوان خلف انقلاب 08 مارس الدموي، وسارع التكتل إلى دعم الانقلاب على معاوية، وكلا الحدثين يمثل مساسا خطيرا بدستور “لابول” الذي يدافعون عنه اليوم!!! أما الشرعية فقد أجمعت المعارضة بجميع أطيافها على تحديها بخروجها في مظاهرات داعية إلى رحيل نظام منتخب اعترفوا كلهم بشرعيته، وتحالف بعضهم معه!!!
أما التناوب السلمي على السلطة الذي يدندن حوله غالب المتربصين، فلم يكن، في أي بلد من بلدان العالم، هدفا في ذاته، وإنما هو وسيلة تستمد قيمتها من تحقيق مصلحة وطنية، فإن أفضى إلى مفسدة، واقعة أو متوقعة، كان الأولى الإحجام عنه. فالصومال من أكثر البلدان الإفريقية التزاما بالتناوب السلمي على السلطة بحيث يصعب حصر رؤسائها منذ سقوط زياد بري، ولم يفلح ذاك التناوب السلمي على السلطة في إيقاف الحرب الأهلية، أو إحداث تنمية اقتصادية، ولا حتى إيجاد دولة تسيطر على كامل ترابها ومياهها الإقليمية… فالتناوب السلمي على السلطة يتم في مدينة مقاديشيو بين رؤساء قبائل وقادة مليشيات؛ فقد سقطت الدولة الصومالية مع سقوط “الدكتاتور” وبقي التداول السلمي على السلطة على لاجئين جوعى وأحياء صفيح بائسة…
من كل ذلك يتضح أن “الدفاع عن الدستور”، و”التمسك بالتناوب السلمي على السلطة” ليس سوى مناورة سياسية من المعارضة والمتربصين لتحقيق مكاسب شخصية وتصفية حسابات سياسية… فالوطنيون الموريتانيون يعلمون أن رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز هو صمام الأمان في وجه الإرهاب ودعاة الكراهية ومدمني الفساد. ولو خير الموريتانيون بين فخامة الرئيس، وإحدى مواد دستور “لابول” لاختاروا الرئيس لعلمهم أن مواد الدستور مجتمعة، أحرى مادة واحدة، لن تستطيع تقديم إنجاز واحد، ولا المحافظة عليه. وتعلم المعارضة والمتربصون أن الشخصية الوطنية الوحيدة القادرة على حسم الانتخابات الرئاسية القادمة، من الشوط الأول، هو محمد ولد عبد العزيز، لذلك تريد المعارضة والمتربصون منعه من خوض الانتخابات، ونصب فخ لمرشح الأغلبية يسقطه في الشوط الثاني عن طريق شراء ذمم المتربصين، وتسلم البلاد للمفسدين والمرابين… هذا هو السيناريو الذي راهنت عليه المعارضة في انتخابات 2009، وتعيد الرهان عليه اليوم. فالمستهدف حقا هو شخص رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الذي هزمهم مرتين، وحرضوا عليه رفاقه في المؤسسة العسكرية حين كان يتعالج خارج البلاد. وقد دل على ذلك بشكل واضح قول جميل منصور في تدوينة ينتقد فيها حراك البرلمانيين.. “…لأنه يحرم موريتانيا وشعبها في أول فرصة للتناوب – أيا كان مستواه وحجمه-…”؛ فما يهم جميل هو إقصاء محمد ولد عبد العزيز بأي ثمن…
هذه هي المؤامرة التي على الوطنيين إدراك أبعادها، والعمل على إفشالها..أما دعاوى الدفاع عن “دستور لابول”، والتمسك بالتناوب السلمي على السلطة، فليست سوى ذر للرماد في العيون، لم يعد ينطلي على أحد…