النانه الرشيد تكتب عن شتاء المخيم
من المخيم .
شيئا فشيئا تحلل شتاء المخيم من عقده، و انبسطت سماؤه لشمس بازغة دون وجل، سقت أشعتها جنبات الخيم الشامخة وسط أبنية الطوب العتيقة بالدفئ و السكينة.
الشتاء هنا بخيل الملامح عقيم الأثر، شديد العصب، لا ثلج فيه يحول لون مخيمنا الرمادي الحزين إلى بياض مبهج صاخب بالمرح، و قليلا ما تحبل السحب فيه بالمطر، هو ليل بارد حارق كالجمر و نهار متنطط الساعات سريع تلاحقها. بيد أنه- و رغم قسوته- يبقى موسم الخصوبة في كل شئ دون منازع، فيه يضوع البخور و تكثر العطور و تتزاحم مواعيد الزفاف و تنتعش حلقات السمر و تشرئب الأعناق نحو المتاح من أرض الوطن، و يعيد على فظاظته للخيم حضورها و رونقها، و يجمع إليها شمل العوائل المشتت خلال الفصول الأخرى بين الغرف و الأبهاء الطينية.
هذا الصباح، هبت رياح غربية خفيفة أو الساحلية كما نسميها، و الإتجاه الغربي عموما ساحلي عندنا، و هي ريح محببة و إن اشتدت، و صيفا تكون علينا بردا و سلاما. و أنا لا أمتلك خيمة بالمفهوم المادي البحت و ” بخيمتي” طبعا حسب الإصطلاح اللغوي الصحراوي، لهذا أجدني و صباحات الشتاء تصارعني لاجئة مرتين؛ عن وطني و عن بيتي.. فالخيمة وحدها تقاوم جبروت الشتاء.
ووسط فناء رحب، تنتصب خيمة صديقتي، بابها مشرع على الدوام، زرابيها مبثوثة حفاوة بالزوار و الوافدين، و قرب أواني الشاي المنتقاة بعناية شديدة، وضعت آنية زجاجية أنيقة يتلألأ بداخلها عجين بخور بني غامق و مبخرة نحاسية ترتدي درعا خشبيا جميلا. و كنا على موعد مع إحدى جميلات المخيم و جمليتنا تحتفل بيوم حريتها الأول.
و هي تلج الخيمة رمت بغنج و دلال قفازاتها، و كشفت عن حناء مزركشة خضبت أناملها” القلمية”، و أطلقت ضحكة غامرة : شكيفتي عندكم “، كيف أبدو لكن ؟؟ ، ثم طفقت ترفع عن ساقيها الجميلتين وتتعثر رقصا، سافرة عن نقوش حناء أخرى بقدميها كانت تغطيها الجوارب.. تذكرت كطفلة تهوى تقليد أترابها أني قد أتممت عامي الرابع دون أن أفكر مجرد تفكير بخوض تجربة الحناء الجميلة.