الدول المغاربية وشح الموارد القيادية/ عبد الله اسحاق الشيخ سيدي
تواجه عدة دول مغاربية خﻻل 2019، استحقاقات انتخابية مفصلية في تاريخها السياسي المعاصر، من حيث توقيتها وطبيعتها وتأثيراتها المستقبلية، وتلتقي هذه اﻻنتخابات في عدة قواسم مشتركة، أبرزها شح أو ندرة القيادات ذات الخبرة وقوة التأثير السياسي والمعنوي، المؤهلة للدخول بجدارة في المنافسات اﻻنتخابية المرتقبة.
ففي ثﻻث من هذه الدول تجري اﻻستعدادات على اﻷقدام والسيقان، وأحيانا على البطون، ﻻنتخابات رئاسية بعد شهرين او ثﻻثة في الجزائر وموريتانيا، وخﻻل الربع اﻷخير من العام في تونس.
ففي جزائر الثورة “بلد المليون شهيد”، ما زال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة “رهن الرئاسة الجبرية”، بعلمه أو من وراء ظهره وكرسيه المتحرك، ليصبح مرشح أهل السلطة لوﻻية رئاسية خامسة، دون أن توفق أو تتفق النخبة المتحكمة في إيجاد بديل يريح كاهل هذا المناضل الثمانيني المقعد، من هموم الرئاسة ومسؤولياتها الجسام..
أما الجارة الجنوبية موريتانيا، “أرض الرجال” والفضاء الﻻمتناهي، التي تحلم بترسيخ اﻻنتقال السلمي للسلطة، مع انتهاء الوﻻية اﻷخيرة دستوريا للرئيس الحالي، فما زالت معارضتها، أو معارضاتها المتعددة والمتعاندة، منهمكة في “التنقيب” عن مرشح رئاسي مبهم المواصفات والمقاييس، لتحمله تبعات عجزها وأثقال “اتفاقها على أﻻ تتفق” على شيء ينفع الناس ويمكث في اﻷرض، بينما “عينت” السلطة مرشحا هبط بمظلة رئاسية، دون غطاء حزبي أو تشاور، ولو شكلي، مع الأتباع والموالين، وسط أجواء ضبابية ورؤية مشوشة، بغض النظر عن مؤهﻻت المرشح وخبرته العسكرية، ودون أي إعﻻن صريح منه بالترشح أو قبول الترشيح حتى اﻵن، رغم موعد اﻻنتخابات الوشيك.. وما زالت الهمسات تسري عن “مرشح احتياطي” أو مرشحين محتملين، إمعانا في الضبابية وتقليص مدى الرؤية!
وفي تونس الخضراء، مهد الفورات الشعبية و”الثورة الموؤودة”، يبدو أن ضرورات “العمر اﻻفتراضي” تحتم تنحي الرئيس التسعيني قايد السبسي واستقالة صنوه وشريكه في الحكم رئيس “حزب النهضة” راشد الغنوشي، ما يفتح المجال واسعا أمام تنافس الطامحين للقيادة من الصفوف الخلفية، ويجعل الرؤية أشبه بالضرب على الرمل أو قراءة الفنجان، رغم ما يتمتع به الشعب التونسي من حيوية ونضج سياسي يتقدم به خطوة على بعض أقرانه اﻷشقاء..
وإذا كانت المغرب، نظريا، في منأى عن إشكالية تحديد رأس الدولة، بحكم طبيعة النظام الملكي المقنن بوﻻية العهد، فإن الظروف الصحية للملك وحداثة سن ولي العهد تثير أكثر من عﻻمة استفهام، مع تصاعد الحديث عن انتخابات برلمانية سابقة ﻷوانها المقرر عام 2021، في ظل تراجع الدور والمكانة السياسية والشعبية لﻷحزاب التقليدية، وعدم بروز أحزاب أو زعامات جديدة ذات ثقل سياسي وشعبي وازن.
وﻻ تزال ليبيا الحبيبة غارقة في أزمة غياب الدولة وتفشي الصراعات المناطقية والعشائرية والتدخﻻت اﻷجنبية، بحيث يكون الحديث – في الظرف الراهن – عن انتخابات عامة تضمد الجراح وتعيد اللحمة الوطنية، أشبه بحلم مصطنع أو ترف مبتذل..
لكن أين النخب الواعية المغاربية؟ أين المفكرون والمثقفون الطﻻئعيون؟ أين رجال اﻷعمال الوطنيون الطامحون لﻻستقرار واﻻزدهار؟ أين القوى الشبابية المتطلعة لمستقبل يكفل لهم اﻷمن والحياة الكريمة؟
هل غاب هؤﻻء جميعا من تلقاء أنفسهم أم غيبوا قسرا؟ ولماذا يرتضون الغياب أو يقبلون التغييب، وكأنهم غير معنيين بحاضرهم او مستقبل أجيالهم؟!
هل يعقل أن مجتمعات يزخر تاريخها بالزعماء والقادة الكبار في مختلف المجاﻻت، وقد تضاعف عدد سكانها مرات ليتجاوز اليوم مئة مليون نسمة، باتت عاجزة عن إنجاب قيادات وطنية حقيقية فاعلة ومؤثرة؟ هل حقا صارت مجتمعاتنا عقيمة إلى هذا الحد؟!
مع ذلك، من اﻹجحاف وعدم اﻹنصاف أن نعتبر “العوز القيادي” سمة خاصة بالدول المغاربية، فالواقع أنه ظاهرة تكاد تصبح عالمية. ففي عالم يتسيده أمثال دونالد ترامب ونتنياهو، يبدو “شح الموارد القيادية” ذات الحنكة والحكمة والكاريزما، أقرب إلى حالة من حالات انقراض النوع، مما يضاعف اﻷعباء والمسؤوليات على المعنيين بالشأن العام في مختلف المجتمعات واﻷوطان، وينذر بمزيد من اﻷزمات والصراعات عالميا على أكثر من صعيد، في قابل اﻷيام واﻷعوام..
120 تعليقات