حل مشكلة العقدويين وشرح آليات المتابعة والتكوين المستمر/ البكاي ولد عبد المالك
الحلول التي نقترحها لمشكلة العقدويين هنا هي جزء من مشروع الإصلاح الذي نعرض بعض مكوناته منذ بعض الوقت وليست كما قد يتبادر إلى الذهن ردا على الإجراء الحكومي الذي هو إجراء مالي وإداري قبل كل شيء. وفي تقديرنا أن الحلول البيداغوجية التي هي عماد المقاربة التي نقدمها تختلف عن الحلول المالية والإدارية التي اقترحتها الحكومة والتي يتوقع أن يستفيد منها عقدويو التعليم.
ويندرج حل مشكلة العقدويين بالشكل الذي نقترحه هنا في إطار الإجراءات الخاصة الاستثنائية في المرحلة الانتقالية في الإصلاح والتي يتعين القيام بها قبل الانتهاء من تكوين المكونين في “المدارس العليا للأساتذة”.
وعليه يكون السؤال المطروح كالآتي : ما العمل وماذا يتعين فعله قبل الانتهاء من تكوين المكونين وقبل تخرج الدفعات الأولى من الطواقم التربوية المكونة بحسب مواصفات الجودة والكفايات المطلوبة في الإصلاح المقترح أي خلال فترة زمنية تتراوح من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات ؟
الوضعية الحالية هي انتشار شديد في الخريطة المدرسية لأعداد كبيرة من المدرسين غير المؤهلين علميا وتربويا للتدريس من العقدويين وغيرهم. لذلك فإن إعادة تنظيم الخريطة المدرسية في هذا الجانب يعد هدفا أسمى يتوقف عليه الكثير من الأهداف الأخرى.
وبالنظر إلى الاختلالات الكبيرة المتعلقة بإجراءات الإصلاح الأخير وخصوصا النقص الحاد في الطواقم التدريسية التي تتمتع بالكفاءات التي يفرضها الإصلاح ذاته وفي مقدمتها الازدواجية اللغوية من جهة؛ وللحصول على الأرضية القانونية الصلبة التي تضمن حقوق الجميع : حقوق المكوِّنين والمكوَّنين معا وهي معادلة ضرورية لا غنى عنها من جهة أخرى؛ فإن الإصلاح المقترح يفرض ما يلي :
□ القيام بمسابقتين وطنيتين عامتين (للتعاقد وتجديد العقد وتحديد المستوى) للمدرسين العقدويين من فئتي الأساتذة والمعلمين مفتوحتين للأجانب ممن يمتلكون خبرة تدريسية طويلة في بلدانهم مع اشتراط حصولهم على معادلة لشهاداتهم من طرف “المجلس الوطني للتربية والتعليم” لتعويض النقص في اللغات وبعض التخصصات.
□ يتم فرز المتسابقين من العقدويين والأجانب وتصنيفهم بحسب نظام الاستحقاق ضمن فئات ثلاث :
– فئة أولى لا تتوفر فيها معايير الكفاءة والشهادة معا وهم المدرسون غير الحاصلين على شهادة الباكالوريا يتم تسريحهم مباشرة بدون قيد أو شرط أو دمجهم في قطاعات أخرى مثل الهيئات الإدارية للمجالس الجهوية أو الاستعانة بهم في الهيئات الدائمة للجنة المستقلة للانتخابات أو أي قطاع آخر تسمح لهم قدراتهم وكفاءاتهم بالعمل به وتقديم القيمة المضافة فيه لكنهم غير مؤهلين لمزاولة مهنة التدريس بمعياري الشهادة والكفاءة معا أما دمجهم في سلك التدريس فيعد جريمة لا تسقط بالتقادم.
– فئة ثانية يتوفر فيها معيار الشهادة دون الكفاءة (ونقصد هنا الكفاءة المطلوبة في الإصلاح المقترح بل وحتى في إصلاح 99 نفسه) يسمح للوطنيين من هؤلاء بدخول المدارس العليا للأساتذة بدون مسابقة ويتم تكوينهم (لمدة سنتين) لمهام متعددة منها : التدريس في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي والتعليم الأساسي (وهذا الإجراء خاص بالمعلمين) أو التدريس في مرحلة التعليم الثانوي (وهذا الإجراء خاص بالأساتذة)، أوالرقابة في المدارس الابتدائية والثانوية والعمل في المناطق ذات الأولوية التربوية (ZEP).
– فئة ثالثة (تجاوزت اختبارات الشهادة والكفاءة في التدريس معا) يمكن التعاقد معها (وطنيين وأجانب) للتدريس في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد ولفترة زمنية لا تزيد على ثلاث سنوات (وهو الحد الأقصى لتكوين الدفعة الأولى من أساتذة المدارس العليا للأساتذة) . ويسمح للوطنيين منهم كذلك بدخول المدارس العليا للأساتذة بدون مسابقة والتكوين لمدة سنة ونصف (سنة دراسية + فصل دراسي للتدريب) واختيار أي مسار دراسي يرغبون في متابعة التكوين فيه وقد يسمح للمتفوقين منهم عند الضرورة بالجمع بين مسار التكوين ومزاولة التدريس بصفة استثنائية مع إلزامهم بالخضوع للدورات التدريبية المجانية لمدة ثلاثة مواسم متتالية خلال العطلة الصيفية.
□ لتجديد العقد يشترط الخضوع لدورة تدريبية مكثفة مجانية واحدة على الأقل لمدة شهرين خلال العطلة الصيفية والحصول على شهادة بذلك من طرف إحدى المدارس العليا للأساتذة المشرفة على تلك الدورات والتي يتلقى خلالها المدرسون العقدويون بعض المهارات التي يفرضها الإصلاح الجديد ويطلعون فيها على بعض البرامج الجديدة المتبعة في التكوين…).
□ يتمتع المدرسون العقدويون الوطنيون الحاصلون على شهادات في الدورات المكثفة المجانية لمدة ثلاث سنوات متتالية في حالة حدوث نقص غير متوقع للكادر التدريسي في ظروف استثنائية (كالوفاة والعجز البدني والقوة القاهرة وغيرها من الحالات) بالأولوية في التعاقد خارج الفترة الانتقالية لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد.
□ بقاء الإطار التربوي الرسمي على حاله يمارس مهامه الاعتيادية في التكوين والتفتيش مع اشتراط خضوع منتسبيه للدورات الإجبارية الثلاث للتكيف مع مقتضيات الإصلاح المقترح والاستظهار بإفادة تؤكد ذلك عند مباشرة العمل في بداية العام الدراسي.
□ وضع حد لفوضى التحويلات العشوائية في مدراء الدروس الأمر الذي نجم عنه خلل كبير في مسألة التوزيع : وجود أعداد كبيرة من هؤلاء في العاصمة بمعدل اثنين أو ثلاثة للمؤسسة الواحدة وتناقص أعدادهم بشكل مخل في الداخل.
ولا يكفي لضمان الحصول الفاعلية الداخلية للمنظومة التعليمية تكوين المكونين الأكفاء ولا تصحيح وضعية العقدويين من الناحية البيداغوجية بل لا بد من اتباع آلية صارمة للتقويم والمتابعة والتكوين المستمر للإطار التربوي لأن تطوير المنظومة وتحسين أدائها وخلق ديناميكية متجددة تعمل بالتوازي في جميع مستوياتها هي في الحقيقة خاصية من خواص الأنظمة التعليمية المتطورة وضرورة من ضرورات النظام التعليمي المعاصر.
وقد أظهرت لنا الحوارات والمقابلات التي أجريناها مع بعض الخبراء الذين لهم تجربة طويلة في الميدان وإلمام جيد بخلفيات منظومتنا التعليمية أن الكثير من مظاهر القصور فيها يعود إلى ضعف آليات التفتيش والرقابة على كافة المستويات. وبناء على ذلك تم حصر “الاختلالات التي تواجهها هيئات الرقابة والتقويم في نظامنا التعليمي” في ما يلي:
□ ضعف التكوين المهني للمفتشين على مستوى التعليم الأساسي وانعدامه تقريبا على مستوى التعليم الثانوي.
– ضعف المستوى المادي للمفتش وهو ما ينعكس على الدافعية ويؤثر بالتالي على كفاءته في أداء المهام المنوطة به.
– الفساد الإداري وتفشي الرشوة في المفتشيات الجهوية للتعليم وفي بعض الإدارات المركزية ذات الصلة.
– ينضاف إلى هذه العوامل غياب مبدأ المكافأة والعقوبة الأمر الذي أدى إلى التسيب والإهمال.
لهذا يقضي الإصلاح المقترح بالقيام بالعديد من الإجراءات نوجزها فيما يلي :
□ تعميق التكوين المخصص للمفتشين في “المدارس العليا للأساتذة” وتزويدهم بالكفايات الضرورية التي يتطلبها الإصلاح الجديد وتعزيز آليات التقويم والمتابعة من خلال :
□ إعفاء المعهد التربوي الوطني من مهام التفتيش والتقويم والمتابعة والتكوين المستمر لغرض التفرغ بشكل كامل لتأليف الكتاب المدرسي وطباعته وتوزيعه وكل ما يتعلق بذلك من مهام.
□ حل المفتشيات العامة للتعليم (المفتشية العامة للتعليم الثانوي والفني والمفتشية العامة للتعليم الأساسي) ودمجهما في إدارة جديدة مكلفة بهذه المهمة يتم إنشاؤها بمقرر وزاري من طرف الوزير المكلف بالتربية والتعليم تسمى إدارة “التقويم والمتابعة والتكوين المستمر”.
□ تتمتع إدارة التقويم والمتابعة والتكوين المستمر بصلاحيات واسعة وتمتلك الوسائل البشرية والمادية الكافية لأداء مهامها وتضم جهازين جديدين توكل لأحدهما وهو جهاز “التقويم والقياس” مهمة التأكد من فعالية التكوينات المقدمة للتلاميذ في مراحل التعليم المدرسي (الأساسي والثانوي) ومدى مطابقتها لمواصفات الجودة التي يقررها الإصلاح المقترح، واقتراح التحسينات الضرورية بناء على عمليات التقييم الدورية؛ و جهاز آخر “للتكوين المستمر والتفتيش والمتابعة” …إلخ يتولى مراقبة عمل المفتشين والسهر على أداء مهامهم في ظل النزاهة والاحترافية التامة من خلال نظام معلوماتي مندمج علاوة على مهمة التكوين المستمر وتطوير كفاءات الإطار التربوي (المفتشون والمدرسون) وذلك بالتعاون مع المدارس العليا للأساتذة والمعهد التربوي الوطني.
□ إشراف إدارة التقويم والمتابعة والتكوين المستمر على تنظيم تقويمات دورية على الصعيد الوطني تشمل عينات مختلفة من التلاميذ من مستويات دراسية مختلفة تهدف هذه التقويمات إلى التأكد من بلوغ الأهداف المرسومة من حيث جودة التعليم ومطابقته للأهداف العامة التي رسمتها السياسات التعليمية…إلخ.
□ إخضاع الإطار التربوي والإداري: الأساتذة والمفتشون والمراقبون والمرشدون الاجتماعيون والمربيات وكافة الموظفين بالمؤسسات التعليمية والمختبرات والمكتبات التابعة لها طوال حياتهم المهنية لتكوين مستمر في كل مرة تستدعى الحاجة ذلك وفي جميع الحالات التي يجري فيها تغيير في النظام التعليمي أو إدخال برامج تكنولوجية أو بيداغوجية جديدة لضمان التكيف وحسن الأداء في كل الأوضاع.
□ لهذا الغرض يجب أن تُلزم إدارة التقويم والمتابعة والتكوين المستمر كافة المؤسسات التعليمية باستحداث ملف شخصي ورقي وألكتروني ضمن قاعدة البيانات للمؤسسة لكل موظف يظهر عدد الدورات التي خضع لها وطبيعتها طيلة مساره المهني.
□ هذا الأمر وغيره من ضرورات التطور التكنولوجي يحتم أن تتمتع كافة مؤسسات التربية وكل منطقة من المناطق ذات الأولوية التربوية بنظام معلوماتي مندمج دقيق يتضمن جميع البيانات والإحصائيات المتعلقة بالتلاميذ والطلاب من امتحانات ونتائج وشهادات وكشوف غياب، وبالموظفين والأساتذة والمدرسين والعمال من عقود عمل وتواريخ مباشرة العمل في بداية العام وبالبرامج المختلفة ومحاضر الاجتماعات وكل ما يحدث من أنشطة داخل المؤسسات التعليمية. وتتولى هيئات الرقابة الإدارية والتربوية وعلى رأسها إدارة التقويم والمتابعة والتكوين المستمر الإشراف على تقيّد جميع المؤسسات بهذا النظام ومعاقبة المخالفين.