الشاعرة الصحراوية النانة الرشيد: “في قبضة الشرطة”
تجربتي مع جهاز الشرطة الوطنية فقيرة جدا لله الحمد و الشكر، ذكرتان فقط، إحداهما مرة و الأخرى -و هي الأحدث – سارة رغم العقوبة.
فأما المُرة منهما فيعود تاريخها إلى سنة 2008، عندما تعرضت و فريق من موظفي المركز الثقافي لأقسى عبارات الشتم و السب، مع التطويق و الزج بنا بحوض سيارة متهالكة، و اقتيادنا للمخفر الواقع بمخيم بوجدور، مدرسة 27 فبراير سابقا .
و تطول تفاصيل تلك القصة، و ليس بإمكاني سردها كلها، لكني أؤكد على أننا ظلمنا جميعا تلك الليلة الحارة جدا من شهر آب، و عندما أدرك عناصر الشرطة خطأهم و نحن بالمخفر قرروا سراحنا، قررت أنا الإعتصام هناك بإصرار على إعداد محضر و تقديمنا للمحاكمة.
أشتد الأمر بالشرطي الذي بادر باعتقالنا، صرخ بي مرارا و حاول شرح أسباب تصرفه الأرعن بهدوء مرات أخرى، لكني كنت مصرة على موقفي، فبادر إلى إخراجي من مكتبه فركنت ألى بساط رث جدا مهمل بفناء المخفر، لكن أحد الذين أوسعنا شتما سحبه مني و تركني على الأرض .
بلغت الساعة الرابعة فجرا، و أنا بمعتصمي ذلك، إلى أن استعانوا بعناصر فريقي الذين اعتصمت انتصارا لهم و فرضت علي المغادرة.
ومع طلوع الشمس، قررت نسيان الأمر فقد علق بذهني تبرير الشرطي المتهور، إذ اشتكى لي من سوء فهم المواطنين لعمل الشرطي و أن جهاز الشرطة هو الجهاز الأمني الوحيد المعرض للتسفيه و الإحتقار.
و أما الذكرى السارة فقد كانت قبل أربعة أيام فقط، حين استوقفني شرطي عند بوابة مخيم بوجدور، شاب حدث السن، بدلته أنيقة، مؤدب، بادرني بطلب وثائق السيارة.
قلت : لقد نسيت رخصتي.
قال : موعدك إذن مقر فرقة الشرطة. و لم يزد على ذلك و أخذ البطاقة الرمادية معه .
بعد ساعات قليلة، ذهبت كالمعتوهة للمخفر الذي احتفظ له بتلك الذكرى السيئة، فوجدته خال على عروشه، كان موقع فرقة الشرطة قد تغير و لقلة فضولي و اهتمامي لم أنتبه لذلك. عندما وصلت المخفر الجديد بادرني أحد الشباب هناك مبتسما و ساخرا: “النانة لا تكتبي عن الشرطي لحكم وثائقك”.
كان المخفر نظيفا و مرتبا و عناصر الشرطة يتحركون بخفة و مرح، لم أعرف المسؤول من غيره، فالنياشين التي تشي بالرتب غير معهودة للجيش الصحراوي بصفة عامة، أخبرت أحدهم أن وثائق سيارتي محتجزة فهداني لنافذة أقف عندها للبت في أمري.
فتحت النافذة، و ليس بحوزتي ثمن الغرامة، و ليس بحوزة الشرطي الوثيقة التي تثبت تغريمي أو احتجاز وثائق السيارة في انتظار السداد. طلبت منه منحي البطاقة على وعد مني بالعودة لهم اليوم الموالي لتسوية الأمر.
في اليوم الموالي وقفت عند النافذة إياها، كان هناك شاب يطل برأسه داخلها، متحدثا للشرطي بصوت مرتفع، محاولا إقناعه بالعدول عن تغريمه، كان يحاول تبرير مخالفته لجهله القانون .. لكن الشرطي المهذب ظل يردد بأنه يمارس عمله فقط.
سألني أحدهم، كان ينتظر دوره أيضا في تبرير مخالفته عن سبب انتظاري، أجبته بأني ارتكبت خطأ عندما نسيت رخصة السياقة، سألني عن سبب تقبلي الأمر؟ أجبته بأنه علينا كمواطنين دعم جهاز الشرطة في مزاولة عمله بنزاهة و احترافية، علينا أن نكون عونا لهم مثل ما هم في خدمة أمننا و رعايتنا.
و عند نافذة العقوبة تلك، أخبرت الشرطي بأني لم أحضر مبلغ الغرامة، لكني أعيد لهم بطاقة السيارة الرمادية و عليهم منحي وثيقة الإثبات ريثما أتمكن من سداد الغرامة. بهدوء استلم مني و سلمني دون أن نتبادل أي حديث آخر .
لا أقول بأن جهاز الشرطة قد تطور أداءَ و مهنية لأني لم أكن متابعة لمسارهم بشكل يمكنني من إصدار رأي دقيق، لكنني أقول بكل سعادة أني كنت فخورة بالذين صادفتهم، لما لمسته فيهم من مهنية و انضباط .
و الحقيقة أني مرتاحة من عبئ الغرامة لأن الوثائق المحتجزة تعود لسيارة أحدهم، ” و أل فاصل في وتو إخلص .. أنا لا يهمني هذا ” .