” الكتلة التاريخية ” / محمد الكوري العربي
” الكتلة التاريخية ” التي تحدث عنها الدكتور محمد عابد الجابري، رحمه الله، سبقه إلى الدعوة إليها ميشل عفلق قبل وفاته بأشهر في 1989، حين دعا التيار القومي و التيار الإسلامي إلى الحوار و تأجيل ما يفرقهما إديولوجيا لصالح ما يجمعهما و يدفع بمصالح الأمة نحو الأمام. و قد ذكر ذلك الدكتور محمد عماره. و بالمناسبة، و من باب استحضار التاريخ ليس إلا، فقد دعوت، على صفحات إحدى صحف التيار الإسلامي في موريتانيا لم أتذكر هل هي صحيفة المرصد أو السراج، إلى تطبيع العلاقة بين التيار القومي و التيار الإسلامي عقب احتلال العراق مستلهما من دعوة ميشل عفلق و من الكتلة التاريخية عند الجابري فكرة بناء مصد لإعاقة نزيف الأمة و انكشافها أمام جبروت أمريكا. كان احتلال العراق يغري تيار الإسلام السياسي عند سقوط نظام صدام حسين رحمه الله بأن الساحة قد خلت له ، و أن أكبر عوائق التمكين لهذا التيار قد زالت، عندما تطهر أمريكا المشهد العربي من الخطاب القومي العربي. و مع ذلك، تبقى هذه الدعوة للحوار المفتوح و للكتلة التاريخية بين هذين التيارين قائمة ، كما كانت محتفظة بكل حيويتها، و يجب تشجيعها و تطويرها بشرط أن تنتفي فيها و عنها لعبة الانحناء في وجه الظاهرة اترامبية؛ بل ينبغي أن تكون مطلبا جديا و استراتيجيا مرتكزا على ثلاث دعائمة : دعيمة الديموقرطية ، و دعيمة التنمية ، و دعيمة الوحدة العربية.. على أن تبقى القضايا الخلافية الأخرى قيد الحوار في جو التفاهم و الطمأنينة ..
و أرى أن الظروف ربما تكون نضجت للتفاعل إيجابيا مع دعوة ميشل عفلق للحوار و لقبول كتلة الجابري التاريخية ، خصوصا بعدما تأكد الإخوان المسلمون أن أمريكا لم تتمكن من تجريف الفكر القومي ، و إن كانت نجحت في تجريف قبور رموزه و سلطته في بغداد ، كما أن القوميين العرب مدركون أنه ليس من مصلحة العرب في شيء إيذاء الإخوان المسلمون ، بتصنيفهم تنظيما دوليا إرهابيا، على أيدي الأمريكين و حلفائهم الصهاينة ؛ إذ من العار العظيم ، في قيم العرب، النهي عن خلق و الإتيان بمثله ! فقد عاب القوميون العرب، و هم محقون، على الإخوان المسلمون تحالفهم مع أمريكا ضد الفكر القومي منذ سبعينيات القرن الماضي، و إذن من المعيب أن يتحالف القوميون العرب اليوم مع أمريكا ضد الإخوان المسلمون، لنبقى في هكذا دوامة لا عوائد فيها و لا فوائد منها لأمتنا !!