بين ثقافة الشرع و ثقافة القانون (عبد القادر ولد محمد)
مورينيوز -نواكشوط- تمثل اشكالية التوفيق بين الشريعة و القانون التي عبر عنها العلامة لمرابط محمد سالم و لد عدود رحمه الله بخلاصته المشهورة الساعية الي تقنين الفقه و تفقيه القانون احدي المظاهر الواضحة للتنوع الثقافي في الجمهورية الإسلامية الموريتانية ,
فبالرغم من ان الصيغة المعتمدة دستوريا والتي تفيد بان الاسلام هو دين الدولة والشعب و ان التشريع الاسلامي هو المصدر الوحيد القانون تبدو توافقية في ظاهرها فانه من الصعب تجاوز التناقض البائن ,في بعض الحالات , بين الشريعة و القانون,,.
فعلاوة علي الخلافات المرتبطة بالهوية الوطنية التي كان لها تأثير بالغ في تسمية موريتانيا ابان تأسيسها يتميز المشهد العمومي للبلد بصراع دائم بين مرجعيتين مختلفتين احداهما مستمدة من ثقافة الفقه المتأصلة في المجتمع و الأخرى مستنبطة من ثقافة علمانية بنيت علي اساسها الدولة بالمفهوم الحديث ,,, و رغم كل المحاولات التوفيقية التي كان ابرزها الحسم الدستوري لصالح الشريعة كمصدر و حيد للقانون لا يزال تناقض المرجعيتين و ربما سيظل طاغيا علي المسلكيات المعتمدة في الادارة و في حقل التعليم و في الاعلام و في المشهد السياسي ,,,
و لعل ما يفسر التناقض الهيكلي بين المرجعيتين الذي يفرض نفسه هو الخلاف الجذري في المسلمات ألمبدئية .. و من اوجه ذألك الخلاف مصطلح الجمهورية الذي يوحي بسيادة الشعب المطلقة علي الحكم و بسلطة القانون الذي يعتبر الزاميا للجميع و ملزما له ,, فمن المعلوم انه لا وجود لهذا المصطلح ذي الأصول اليونانية في ثقافة الفقه الاسلامي التقليدي الذي تعكسه دولة الخلافة و احكامها الشرعية بصفة مفصلة في كتب العقائد او علم الكلام و بصفة جزئية في متون الفقه المتداولة بين الناس,,,
و تتعلق ابرز التناقضات المثيرة للجدل في هذا المجال بإشكاليات عديدة منها علاقة الحاكم بالشعب هل هو أمام ذكر معين او متغلب أو مبايع يجب الانصياع له بوصفه أمير للمومنيين من باب ’’ تجب طاعة السلطان الا اذا أمر بالعصيان’’ أم انه رئيس للموريتانيين ( أو رئيسة ) يستمد شرعيته من أصوات المواطنين المتساوين في الحقوق ؟ و منها مسألة العلاقة بين الفتوي و القانون في الحقل العمومي ,,هل يجوز عدم الانصياع للقانون علي اساس فتوي من فقيه؟ فعلي سبيل المثال هل يجوز لفقيه ان يفتي لمواطن استنادا الي الاحكام المتعلقة بالاسترقاق في المتون الفقهية في ظل القانون الموريتاني الذي يعتبر العبودية جريمة يعاقب عليها ؟ و من ذألك التناقض الهيكلي ما يترتب علي قانون الجنسية الموريتانية المستنبط من التقاليد العلمانية للدولة ,,, حيث ان الا سلام الذي يعتبر ه الدستور الموريتاني دينا للدولة و للشعب لا يعد من المعايير المأخوذة بعين الاعتبار في منح الجنسية الموريتانية التي لا مانع ان تمنح بحكم القانون الي غير المسلمين ,,,
و قد برز التناقض في اكبر تجلياته في عقد الثمانيات من القرن الماضي بمناسبة ما يعرف بتطبيق الشريعة الاسلامية في المجال الجنائي حيث ان السلطات التشريعية أدخلت في مسطرة القانون الجنائي الموريتاني ترتيبات مستنبطة من الحدود الشرعية ,, و مع ان الترتيبات مازالت الي يومنا هذا سارية المفعول فقد تم تعطيلها بصيغة اقل ما يقال عنها انها ليست قانونية!
و الواقع ان التعامل العمومي بحذر مع هذه التناقضات البينة يعود الي حساسية الموضوع و الي الرغبة المشتركة في عدم اثارة الحساسيات المختلفة حول مكانة الحقل الديني في ترسانة القوانين و النظم المسيرة للجمهورية,,, كذألك احتراما لمكانة الدين الاسلامي في قلوب المواطنين الموريتانيين ,,, و من باب التعامل مع الواقع طبقا للحلول المتاحة و المعتمدة في العديد من الدول الاسلامية المعاصرة ,
و أذا كان التعامل العمومي مع الحقل الديني أدي الي حصول شكل من المسكوت عنه التوافقي حول التنوع المرجعي في ثقافة الدولة فان المجال اللغوي شهد منذ نشأة الدولة الوطنية ضجيجا و لغوا في الكلام تحول الي ما يعرف بالحرب اللغوية ,, ,
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مقتبس من مداخلة تحت عنوان :
الجمهورية الاسلامية الموريتانية : وحدة وطنية , تعددية ثقافية
قدمها
عبد القادر ولد محمد قانوني باحث وزير سابق,,, في الندوة الدولية للتعدد الثقافي التي نظمتها المدرسة العليا للتكوين العالي يوم 19و20 من نوفمبر 2012