مأسسة الوقف والزكاة ضرورة شرعية واجتماعية أستاذ القانون والفقه المقارن / د.سيدي محمد محمد المصطفى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره، لها من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والتنموية ما يجعلها ذات أهمية كبرى في وقتنا الحاضر بسبب ما تعانيه البلاد من ضعف اقتصادي، ومن نقص في موارد الميزانية، ومن تصاعد نسبة المديونية والاقتراض الأجنبي. بالإضافة للوضع الاجتماعي الصعب خاصة مع نسبة الفقر العالية والتي بلغت في موريتانيا حسب الرسميين قرابة 35% .
والزكاة في دلالتها اللغوية طهرة ونماء، وهذه هي حقيقتها، قال تعلى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) لذا كان السعي لتأسيس (مؤسسة للوقف والزكاة) مسألة في غاية الأهمية، أملا في أن تعيد الزكاة بعض العافية للتوازنات المالية لميزانية الدولة، ولتضخ موارد مالية للتشغيل والتصدي للبطالة ومحاربة الفقر.
وتعرَّف الزكاة في الفكر الاقتصادي الإسلامي بتعريفات منها:
أنها “فريضة مالية تقتطعها الدولة أو من ينوب عنها من الأشخاص العامة أو الأفراد قسراً، وبصفة نهائية، ودون أن يقابلها نفع معين، وتستخدمها في تغطية المصارف الثمانية المحددة في القرآن الكريم”.
وبأنَها: “تكليف سنوي، يفرض على جميع الأموال النامية التي بلغت النصاب ومرَ عليها الحول عند مالكها، دون الأموال الاستهلاكية التي تستخدم لسد الحاجة”
ويمكن تعريفها أيضا بأنَا: “أداء حق وجب في مال بلغ النصاب وحال عليه الحول”.
ومن خلال التعريفات السابقة يمكن استنتاج مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في المال حتى تجب فيه الزكاة، وهذه الشروط حسب المعيار الشرعي رقم (35) المتعلق بالزكاة الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “AAOIFI أيوفي” هي:
1 الملك التام: وهو يتحقق في كل ما لم يتعلق به حق الغير، ويمكن التصرف فيه حسب الاختيار وريعه أو نماؤه حاصل لمالكه ولا أثر لكون الأموال مرصدة لحاجة أو لتنفيذ مشاريع استثمارية، مالم تكن لحاجة سداد الديون.
2 النصاب: نصاب الزكاة للذهب مهما كانت صورته، هو ما وزنه (85) جراما من الذهب الخالص أو ما يعادله من العملات الورقية والمعدنية، وقيمته لعروض التجارة بعد تقويمها بالنقود، وللمعادن المستخرجة. والنصاب للفضة (595) جراما من الفضة الخالصة، والنصاب المعتبر الجاري عليه العمل في تقويم عروض التجارة هو نصاب الذهب.
3 الحول: الحول للموجودات النقدية والتجارية والأنعام سنة قمرية (354) يوما. وفي حال مراعاة السنة الشمسية في الموجودات النقدية والتجارية تكون نسبة الزكاة (2,577 %). أما الزروع والثمار فلا ينظر فيها للحول، والعبرة بحصادها، وكذلك المعادن والركاز فالعبرة باستخراجها.
فالزكاة إذن مؤازرة الأغنياء للفقراء، وعدم نسيان حق الله في المال مع ما فيه من بركة ونماء لأموال الأغنياء، والزكاة ليست ضريبة، وليست إيرادا عاما للدولة، وليست نفقة عامة، إنما هي مدفوعات محولة من الأغنياء إلى الفقراء وهذا يتضح فيما أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما المبين لطبيعتها: “… فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم”.
من هنا كانت نظرية الاستخلاف كأساس عقدي وأخلاقي للزكاة، تتفوق على نظرية العقد المالي التي كانت الأساس الذي تستند إليه الضريبة في الفكر المالي الكلاسيكي حيث كيفت الضريبة على إنها عوض تتقاضاه الدولة نظير ما تقدم من خدمات للجمهور.
فالزكاة تختلف عن الضريبة في مقاصدها وفي طبيعتها وتتفوق عليها بالأساس العقدي والأخلاقي الذي تستند عليه، هذا فضلا عن عدالتها وملاءمتها ووضوحها وبعدها عن التحكمية، فتعلمها وتعليمها وتطبيقها دين يرجو المسلم بركته في الدنيا وثوابه في الآخرة.
وتعد أموال الزكاة مصدرا مهما لتمويل وتنمية وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فالأصل من فرض الزكاة هو ضمان حق الفرد في الحياة الكريمة وذلك من خلال إعادة توزيع الثروة وتخفيض البطالة وتوجيه المال نحو الاستثمار وتنمية طاقات الفرد عن طريق بعث الطمأنينة في نفسه.
وتكمن الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للزكاة من خلال الأدوار التمويلية والاستثمارية والتوزيعية للتخفيف من حدة الفقر والبطالة ومن ذلك:
1 كونها أداة لإعادة توزيع الدخل والثروات، مما يسمح بتحسين القدرة الشرائية للفئات الفقيرة فيؤدي ذلك لزيادة طلبهم الاستهلاكي فترتفع الطاقة الإنتاجية.
2 تعزيز مبدأ العدالة الاجتماعية، من خلال تحويل جزء من ثروة الأغنياء إلى الفقراء، وبالتالي تقليص الفجوة بين فئات المجتمع؛ وترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي.
3 تعزيز القدرات البشرية، من خلال ما توفره من مجالات واسعة لتأهيل الفرد من النواحي الصحية والتعليمية.
4 تمويل رأس المال الإنتاجي وتوفير الأدوات الإنتاجية اللازمة لتشجيع الاستثمار، وتوسيع السيولة النقدية ومحاربة الاكتناز.
5 تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي، خاصة في حالات التضخم والركود الاقتصادي.
6 الحد من البطالة عبر تمويل مختلف المشاريع العامة الأمر الذي يزيد من فرصة الحصول على وظيفة.
لذا سعت الدول العربية والإسلامية في وقت مبكر إلى تنظيم مؤسسات رسمية تشرف وتنظم هذه الشعيرة حتى يضمن تحقيقها لهذه النتائج فأنشأت الحكومة السعودية مصلحة للزكاة والدخل سنة 1936م لتطورها فيما بعد إلى هيئة الزكاة والدخل حاليا، وفي الكويت بيت الزكاة 1982م، وصندوق الزكاة الجزائري، وديوان الزكاة في السودان، و بيت الزكاة والصدقات المصري 2014 م، وصندوق الزكاة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والجمعية التونسية لعلوم الزكاة، وغيرها.
لذا كان من الواجب على الدولة إنشاء هذه المؤسسة ورعايتها وتمكين القائمين عليها بالوسائل لتأدية واجبهم تجاهها على أكمل وجه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
أستاذ القانون والفقه المقارن
د. سيدي محمد محمد المصطفى
Facebook Twitter WhatsApp Partager