من معاناة طلاب الجامعة
أنا إسمي محمد ولد عبد الله عندي 26 سنة أسكن في انواذيبو. .والدي توفي وأنا في ال12من عمري أخُ لأربع فتيات، ليس لنا من يكدّ علينا سوى أمي التي تعمل في تعاونية للنساء يصل موعد عملها في “البوتيگ” بعد 13 شهرا…ولهذا تشقى في الكثير من الأعمال الغير رسمية … كان كل ذلك يشعرني بالمسؤولية، صرت رجلا منذ توفي أبي..صرت أحمل عبء البنات ويؤذيني حال أمي، أحسست أن هناك طريقا واحدا لإزاحة هذا البؤس هو الدراسة حتى الحصول على شهادة تخولني للعمل .. تغيرت نظرتي للدراسة بعد أن أعدت كونكور ، وبدأت أجدّ في المراجعة رغم صعوبتها على ضوء الشمعة ( فأي سبيل للكهرباء لأسرة بالكاد تجد قوت يومها) .. كان يؤذيني ويشدني لترك المدرسة سخرية الأطفال مني فأنا أمضي أياما ألبس نفس الملابس ، وكنت أكتب بخط صغير حتى لا تنفد أوراق الدفتر بسرعة فشراء دفتر أخرى صعب للغاية على أمي المسكينة….ولكني كنت أصبر كلما عدت من المدرسة فأرى ضحكة أمي وترحابها بي و مداعبتها لي بلقب ( البطرون ج)…
مضت السنين تاركة آثارها على وجه أمي الذي أنهكه الفقر والكد وخطوط التجاعيد غزت ذلك الوجه المليح ليس لعمرها الكبير وإنما لهمها الثقيل…كان ذلك يفرض عليّ العمل في العطل وفي أي فرصة أجدها لأعين أمي في المسؤوليات المتعددة ..بل إن قسوة الحال فرضت علي ترك المدرسة مدة سنة كاملة حتى تحسن حالنا بعض الشيء واستطعت أنا وأمي أن ندخر مبلغا فتحت به ( بنطرة) في المنزل ولله الحمد … عدت لمقاعد الدراسة و هاقد وصلت لباكالوريا C .. تقع الثانوية بعيـدا منا ما سببلي الغياب الكثير تارة بسبب عدم توفر أجرة النقل وتارة أمشي راجلا ولا أصل حتى يمضي نصف وقت المادة الأولى كانت كل هذه ظروف لم تسنح لي للنجاح في الباكالوريا ثم أعدتها و لم يحالفني الحظ…لكني كنت مصرّا فالباكالوريا هو بوابتي لتحقيق حلم أمي وأبي أن أكون شخصا متعلما يستطيع في الغد أن يحصل على وظيفة محترمة تجعلني مصدر فخر لأمي….كان يجب علي أن أنجح حتى أريح أمي…وبالفعل نجحت أخيرا ، حصل على معدل 12.. ليتكم رأيتم ابتهاج أمي و زغاريتها التي جمعت علينا أهل الحي .. ليتكم رأيتم نسوة الحي أفواجا في منزلنا يباركون لها نجاحي .. وليتكم رأيتم إمام مسجدنا حين دعاني وتجمهر حولنا صفوف المصلين وهو يبارك لي ويذكرني بمسؤولياتي و يترحم على أبي..
كان أكثر ما يؤرقني هو السفر عن أمي ولكن كانت تذكرني أن هذا السفر والتغرب هو من أجمل وصل لذيذ و حياة كريمة سعيدة ..
تقرر سفري يوم غد صباحا ،
استيقظت قبل ذلك اليوم ولم أجد أمي في المنزل ، أخبرتني أختي انها ذهبت للسوق…عادت بعد ساعات لما خرجت قالت لصاحب التكسي هذا هو إبني الذي أخبرتك عنه سيذهب للجامعة غدا..شعرت ببعض الخجل فأمي لا تكف عن التفاخر بي أمام من تعرف ومن لاتعرف…
قدمت من السوق وجلبت لي دراعة من ( الشگة) و قميصا بسيطا ،، ونعالا .، واعتذرت عن السروال فقد نفد المال عنه… كانت أيضا قد اشترت دفاتري .. لم يكن داع لكل هذا فأستطيع شراء الدفاتر هناك قلت لها،، فردت علي يا بني اشتريت لك دفاتر الابتدائية والاعدادية والثانوية لا تحرمني لذة شراء دفاتر الجامعة ..
أنا الآن في الجامعة
( عفوا ل يمكنك التسجيل أنت عمرك فوق 25) .. مهلا، مهلا… ماذا عن أحلامي، ماذا عن أمي، ماذا عن ( البطرون) في داخلي أن لن أوقظه ، أن لن أكون مهندسا…؟..
كيف سأخبر أمي أنه لم يكن هناك داع لشراء الدفاتر .. أي خيية ستصيب أمي إن علمت بأن إبنها الجامعي..هو مجرد شخص منبوذ .. لأنه صار كبيرا..! أنا يا سيدي صرت كبيرا منذ مات أبي…أنا يا سيدي لم أتعمد أن أحصل على الباكالوريا في هذا السن.. أنا يتيم ، بائس، فقير .. هل تعرف ذلك يا سيدي.
نبوية سيد