بين التحرش و الغزل شعرةٌ، ما رأيكم ـ يا “أصدقاءاتي” ـ أن نقيسَ سُمكَها و نجرِّبَ متانتها؟
لا أخفيكم سرا أنني أتسلقُ الآنَ منطقةَ أسلاكٍ شائكةٍ.. ليست شائكةً فقط، إنها شائكةٌ ومكهربةٌ… قد أُجرحُ وقد أصْعَقُ، ولكنَّ نداءَ الكنز المطمور تحت الجدار الذي يوشكَ أن ينقضَّ يناديني مستعيراً حنجرةَ داوود وعودَ ابن النَّديم الموْصليِّ وصبرَ الخَضِرِ و عبثية سيزيف!
مبتدأ :
أؤسس قبل التسلق أنني سأتحدث عن التحرش اللفظي غير البذيء، تلك هي منطقة اللعب الممكنة هنا، أما ما يتجاوز اللفظ فذلك بابٌ آخر ربما أكتب عنه ذات يوم، وربما أجْبنُ.
مبتدأ ثانٍ:
أؤسس هنا أيضا أنني منحازٌ تقليديٌّ للمرأة ومتعاطفٌ مع الحركة النسوية، وأرفض تشْيِيئَ المرأةِ أو تبضيعها وتسليعها… تماماً كما أرفض تشييء الرجل!
غيرَ أن الأدبَ، بكل مساراته قاتَلهُ اللهُ، مولعٌ بترسيخِ حالةٍ من التوازي المرنِ، والتوازنِ القلقِ، والثنائية المجازية بين هذينِ الكائنينِ القريبين الغريبين..
لننطلقْ إذن:
لنفترضْ أن فتاةً تلقَّتْ هذه الكلماتِ من شخصٍ غريب، في مكان عام:
– واااااااااو كم أنت جميلة ومثيرة!
نحنُ أمامَ سَلةِ احتمالاتٍ مفتوحةٍ ولكنها تؤدي جميعها إلى نتيجتين اثنتين؛ المرأةُ، والمرأة وحدها من تحدد إحداهما، وتتعامل على أساسها: هل ما قيل للتو تحرش أم أنه غزل متنسوي؟!
وفهمي الشخصي يقول لي إن ثمة عشرة عوامل تتحكم في تحديد النتيجة النهائية تلك:
1. مزاجُ المرأة آنئذٍ: وهذا العامل لعمري هو الأكثر تأثيرا على الإطلاق في حسم النتيجة.
2. حالتها الاجتماعية: قرونُ استشعارِ الأنثى للكلماتِ تزداد حساسيةً تبعا لبروفيلها الاجتماعي.
3. حالتها العاطفية: ولعلي لا أخطئ هنا في الفصل التعسفي المجازي بين الحالة الاجتماعية والحالة العاطفية.. إنهما حالتان متوازيتان.
4. وضعها منفردة أو مصحوبة بصديقاتها: ستختلف قابليتها لقبول الغزل لا شك.. بعضُ النساء يعشقنَ الغزلَ وهنَّ ملتحفات جلبابَ الانفراد.. وبعضهن يردنه اكثرَ وهن محاطات بصديقاتهن!
5. شكل الرجل الذي ألقى هذه الكلمات: هذه النقطة لا أريد أن أخوض فيها، إمعاناً مني في “تفطاح الراص” الأفطح أصلا.
6. وضعه، هل هو وحيد أو مع أصدقائه: هذا العامل مؤثر في بعض النساء، ولا يشكلُ فرقاً في الكثيراتِ..
7. اللغة التي قيلت بيها الجملة: أبلهجةٍ محلية هي؟ أم بفرنسية ممزوجة بالمحلي؟ أم صيغت بإنجليزية ما؟ تبقى اللغة حاملاً مؤثراً في عملية الوصول..
8. الأسلوبُ الذي قيلت به: استفزازي؟ رومانسي؟ استعراضي؟ أو بأسلوب يبدو وكأن صاحبه يواصلُ حديثاً قديماً..
9. المسافة التي قيلت منها: مبدئيا أنا من مدرسة الوشوشة… ومع ذلك “للناس فيما يعشقون مذاهب”.
10. التوقيت الذي قيلت فيه: لكل أنثى ساعة تكون أذنها في أقرب مداراتها من قلبها.. تلك ساعة استجابة وعطاء!
حاصلُ مزجِ جرعاتِ هذه العوامل مجتمعةً هو ما يُفصِّلُ لبوسَ الجملة آنفة الذكر ويجعلها إما تحرشاً قذراً، مُداناً، يستحق صاحبه الصفعَ، بل والتعزير لدى المحكمة.. أو يحيلها إلى غزلٍ و “تگراظٍ” محببٍ، قد يؤسس لبداية علاقة ما….
ما أوردتُهُ هنا عن الجُملةِ التَّحرُّشيةِ/الغزليةِ، والعواملِ، والفهمِ، والتَّلقي، والـ”فيدباك” ينطبقُ تمامًا وحرفيا على حالةِ ما لو كان الهدفُ رجلًا، والذي صاغَ الجملةَ و ألقاها على عواهنها لسانُ امرأة متحرشة، أو متغزلة “على بابها”!
خبرُ المبتدأين السابقين، الذي أخلصُ إليه هو أن بعضَ التحرشِ (وأخطُّ تحتَ “بعضِ”) ليسَ معجمًا ولا أسلوباً في الكلام، بقدرما هو حالة مزاجية خانها التواطؤ مع صنوها..
فنفسُ الجملة، وذاتُ الكلماتِ، قابلةٌ لتكون تَحَرُّزَلاً… الفيصل هنا في القراءةِ والتحليلِ وأفقِ التلقِّي.. وفِي حوار الأمزجةِ والمعطياتِ الزَّمكانيةِ.. وفِي الطبيعةِ المورفولوجية للطرفين.. فقط!
فتحَرَّزَلوا عن وعيٍ يرحمكم الله!
محمد ولد إدومو