وكما نكون سيولى علينا
في فاتح مارس وجدتني في الملعب مع آلاف من المواطنين من جميع الطيف السياسي نصغي إلى ذلك الضابط الذي يتوق إلى قيادة البلد وكنا لا ندري أين سيتموقع وكيف ستكون علاقته بإرث سلفه فكان تحليله ذكيا بحيث يرى أنه إنما يضيف لبنة ويجتهد ككل رئيس.
إنه لن يسكت على ضيم المعوزين، لن يترك أحدا على قارعة الطريق وسيصغي إلى مقترحاتنا.
ما ذَا يريد الشعب أكثر من ذَا؟
في اليوم الموالي وجدتني أكتب إلى أصدقائي: “كان الخطاب بليغا والحضور غفيرا والزعيم واثقا من نفسه، كلماته موزونة، سياسية حتى النخاع، كل جملة تزن مجلدا، كل عبارة تدل على توجه سياسي، …مبروك على البلاد“.
جاب المرشح البلاد طولا وعرضا وبشر بتعهداته دون تجريح منافسيه أو التقليل من شأنهم فاستطاع إقناع الغالبية.
ثم جاء تسلم الرجل للسلطة فكتبت مقالا عن أهم التحديات الجسام التي تنتظره وهي إجمالا ضعف الموارد البشرية المتاحة وصعوبة التعامل مع بنية اجتماعية معقدة.
وفي الاحتفال بعيد الاستقلال كان الحضور ينم عن رؤية سياسية سخية تجعل الوطن للجميع وفوق الاعتبارات الخصوصية ومما أعجبني في خطابه: “إن للاستقلال معان كثيرة، وسياقات متعددة: فهو سياسي، بالموقف والقرار، وثقافي، بحفظ الهوية واللسان، واقتصادي، بالتطوير والإنماء.
غير أن الشرط المبدئي لإمكان تحقيق كل هذه المعاني، هو توطيد الوحدة الوطنية بالعمل على تكاتف جهود كل أبناء الوطن، خدمة لازدهاره، في ظل شعور قوي بالمساواة، ووحدة الهوية والمصير، ترعاه الدولة بالعدل، والإنصاف، والتنمية الشاملة.”
لقد قيل كل شىء في كلمات وجيزة !
وفي نفس اليوم وجدتني أغرد: “كان الخطاب بليغا ومقتضبا دون إخلال بالمعنى، صادقا دون وعود عرقوبية، قويا وثابتا على النهج دون تردد ولا تلعثم… فهنيئا للوطن بقائد هذا نهجه وعلى الله بالتمام“.
وفي كل مرة كانت خطابات الرجل مدعاة للاعتزاز سواء في شنقيط أو من على منبر الامم المتحدة غير أن خطاب منتدى السلم والأمن في داكار كان خطابا من مستوى آخر، كانفي الصميم شكلا ومضمونا وقد أجمع الكل على الإعجاب به إذ وضع النقاط على الحروف وأماط اللثام عن رؤية استراتيجية للسلام في منطقتنا وذلك بتحليل جميع الجوانب دون محاباة والتقدم بمقترحات عملية لا لبس فيها.
واليوم فإن من أكبر العقبات أمام النهوض بالبلد ضعف الأحزاب السياسية سواء في الموالاة أو المعارضة !
تلعب الأحزاب السياسية دورا محوريا في بلورة مشروع مجتمعي والدفاع عنه على أن يختار الشعب البرنامج الذي يناسبه غير أن جل أحزابنا للأسف أهملت هذا الجانب الأساسي ليكون العمل السياسي (في غالب الأحيان، إلا من رحم ربك) منحصرا في البحث عن مصالح آنية حتى ولو كان ذلك على حساب المجتمع والأخلاق!
يجب أن يكون اختيارالقيادات السياسية حسب معايير موضوعية من أولها القدرة على العمل من أجل المشروع المجتمعي، أما وأن تكون القرابة والزبونية هي المعايير فتلك كارثة وأي كارثة !
التحديات جسام والوطن مهدد في لحمته الاجتماعية، في أمنه الداخلي، في هويته، …
وإذا كان الجيش قد استطاع بحمد الله تأمين الحدود فإنه من الحكمة توخي الحذر والعمل على تقوية كل ما من شأنه تعزيز الدفاع الخارجي ونظن أنه لا مناص من التفكير الجدي في تعميم الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية حتى يكون الجيش والشعب في خندق واحد.
أما الأمن الداخلي فقد آن الأوان للتعبئة العامة لاجتثاث المخدرات قبل فوات الأوان، إذ لاشك أنها بدأت تنخر في جسم المجتمع وتغذي الحرابة المنتشرة وقطاع الطرق الذين يروعون الساكنة.
أملنا كبير في الهيئة الجديدة المكلفة بمحاربة الفقر إذ لا ظلم أشد من ترك الناس يموتون جوعا ومرضا وجهلا في بلد يزخر بالخيرات…
من البديهي أن أولى الحقوق هي المساواة في الحقوق والواجبات، مساواة مطلقة تجعل الانسان يعتز بانتمائه للوطن ويجعل الولاء للوطن أولا و أخيرا قبل كل الاعتبارات.
ما أجمل الوطن حين يتسع لكل أبنائه وإذا كان الأمر كذلك اليوم –ولله الحمد– فإنه على المعارضة أن تقوم بدورها بوطنية ودون مغالاة وعلى الموالاة أن تسدي النصح بكل موضوعية وبعد عن النفاق والتزلف الذين يولدان من رحم الطمع.
وسيبقى الوطن هشا يبتزه النظام الدولي تارة باسم حقوق الانسان وطورا باسم تهديد السلم والأمن العالميين، ما لم يبن مؤسسات دولة القانون على أرضية صلبة تأخذ بالاعتبار إكراهات العولمة حسب تخطيط دقيق لامكان فيه للارتجال والمجازفة.
ويبقى السؤال المطروح على الطليعة السياسية هل هي مستعدة لجعل المصلحة العليا قبل المصالح الفئوية والجهوية والقبلية وحتى الأسرية!
الآن حصحص الحق وأزفت ساعة الاختيار بين مشروع مجتمعي مبني على أسس صلبة من العدالة والحق وبين مصالح آنية غير مستحقة وغير مستدامة.
وإذا كانت الحسابات الضيقة هي أولويتنا فسلام على الوطن وعلى رئيسه الذي لن ينجح لوحده.
فالمسؤولية جماعية أو لا تكون.
وسقف طموحنا وآمالنا لايرضى لبلادنا إلا أن تكون في مقدمة الركب ولا يقبل لأمتناأن تبقى على الهامش وأن لا تدخل التاريخ من بوابته الواسعة!
وكما نكون سيولى علينا.
سيداحمد ولد خو –(موظف سابق بالأمم المتحدة)