الإصلاح بأقل الخسائر
اراد الرئيس الغزواني برنامج زيارته إلى روصو، عمليا سهلا سلسا، لإطلاق بعض تعهداته ووعوده للمواطنين، بمحضر الإعلام والإدارة الإقليمية والمنتخبين، لكن ابناء الولاية، أكابر واصاغر، تداعوا إليه من كل حدب وصوب، بقضهم وقضيضهم، وجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، لاداء دور ألفوه، يصرف المناسبة عن وجهتها، بكرنفالات تضيع فيها الحقيفة، بين القرع والزمر والنفخ والضجيج وقصائد الازدلاف ورقصات التمييع؛ لكن الرئيس رفض السقوط في تلك الحبائل التي كبلت من سبقه، وصمم على إنفاذ ما جاء من اجله، وإن لم يستطع سد مسمعيه عن المكاء والتصدية.
وهكذا أطلق الرئيس، من بلدية جدر المحكن، برنامج تعهداته باربعة وسبعين مشروعا زراعيا مرويا من نيل صنهاجة، في سلة الغلال “شمامه” بمساحة كلية تفوق خمسة آلاف وسبعمائة هكتار، استصلحت لفائدة أحد عشر ألف أسرة من سكان القرى الزراعية، بالوادي الخصيب، في الترارزه ولبراكنه، وبكلفة تبلغ ستة مليارات اوقية، على نفقة الدولة؛ بالإضافة إلى إطلاق برنامج زراعي مواز في الولايات المطيرة، يتضمن إنشاء وترميم وتدعيم اربعة وسبعين سدا زراعيا بخزانات مائية هائلة، ثم فرغ الرئيس للمزارعين والفاعلين في الميدان، دون غيرهم من الزمر.
ما لا يريد بقايا النظم المنقرضة تصديقه، هو ان الرئيس الغزواني مختلف، وأننا معه سنغير ونتغير، حتما، لقد ابتدعنا خلال الموسم الماضي للسباق إلى الكرسي الأسمى، عملية تناوب فريدة في آلياتها ومقدماتها ونتائجها، وذلك حين استطعنا أن نتجاوز الثنائية التقليدية للمرشحين، بين موالاة السلطة القائمة ومعارضتها، وندفع إلى الميدان بمرشح، ذي موقع مكين في النظام، قدمناه إلى الناخبين “مستقلا” في خطابه وتوجهاته وبرامجه ورؤاه، وفي تعهداته ووعوده، فازدحمت على عتباته الاحزاب السياسية من الموالاة والمعارضة، والتيارات والمجموعات والمبادرات الوطنية، المختلفة الانتماآت والجذور. والمرجعيات.
ربما فاتت زاوية قراءة وتحليل تلك الازدواجية، بعض الكتاب والمدونين، او ربما تجاهلها البعض، عن وعي، فغابت في الحالتين عن مقدماتهم، وقامت على غيبتها نتائج تحليلاتهم؛ فيما كان لها في الواقع دور فاعل، في مهمة حمل المرشح محمد الشيخ الغزواني، من الشوط الأول، إلى كرسي الحكم، وفي يوم التناوب والتسليم والتسلم، الذي كان واقعة لا تقل فرادة، في زخمها وحضورها الدولي،كما في التحولات التي مرت هادئة واثقة، على مستوى الأطقم، في قمة الهرم، من حول الرئيس، قبل ان تتباطأ، من جديد، توخيا لمزيد من الثقة في التدابير اللاحقة.
حدث ذلك قبل نحو ستة أشهر، سوف تكتمل نصف عام-حدا وعدا- في الثاني من شهر فبراير الوشيك، وهي-حتى بقياس الزمن العادي-فترة قصيرة، للتعرف بشكل متأن وصحيح، على الحالة الوطنية المقلقة، بكل ابعادعا واغوارها وانجادها، لجمع عناصر خارطة طريق تسندها المعطيات المؤكدة والحاجات الحقيقية للبلد وأهله، ومن ثم تشكل اسس خطة التطوير والتقويم والتحسين الشاملة التي تتضمنها التعهدات والوعود، وتلبي حاجة وطموح الجماهير العريضة التي تدفع ثمن كل ساعة انتظار.
من الوارد القول إن الطموحات الأساسية، والحاجات الضرورية للمواطنين، من الفئات المسحوقة في قاعدة الهرم الوطني، والتي هي في الغالب موضوع الوعود في تعهدات الرئيس، قد لاتطابق بالضرورة احلام وأولويات من يستعحلون التعيينات وتبادل المواقع، وأغلبهم من أبطال كل الزمن، أولئك الذين ألفوا القرب من مصدر القرار وصاحبه، طوال الغقود، ومارسوا تزلف التطبيل والتزمير المدفوع الثمن، لكل من أقام في القصر او قريبا منه، وكسروا الكراسي تجاذبا، في مكاتب ومقرات ومؤتمرات وتحركات الحكومات والاحزاب الحاكمة، وزوروا لها إرادة المواطنين الغافلين المؤمنين، وباعوا أصواتهم، واكلوا ثمنها، سحتا؛ فلأولئك وامثالهم وامتداداتهم، مآرب أخرى، مختلفة.
ما حصل منذ ستة اشهر، هو التغيير الديمقراطي، على مستوى قمة الهرم الوطني، حدث بأصوات الناخبين، ودعم أغلب الفاعلين؛ وبصلاحيات الرئيس المنتخب وإرادته، طال التغيير الدائرة اللصيقة به، من فريق الحكومة وبعض الأعوان، ثم تباطأت الوتيرة، لاسباب عدة، ربما كان في مقدمتها ما اعتبر أطماعا للرئيس المنصرف، في شراكة من نوع ما في السلطة، وهي الأطماع التي وئدت في مهدها، أو تراجعت إلى حدها الادنى، لكن الرئيس، بدا بعدها، أكثر حزما، في إسناد المهمات والمسؤوليات، إلى الطوابير المحتشدة في انتظارها، وربما احتاج الساعون إليها، الآن، لمسوغات ومبررات تؤهلهم بلا تردد.
وهناك حقيقة مرة، قديمة ومتجددة، لا بد من استحضارها، والتعاطي معها، بما يحقق المصلحة الوطنية الراجحة، ويجنب البلاد مزالق التدابير والقرارات المرتجلة؛ وتتمثل تلك الحقيقة في أن السلطات الجديدة، ورثت عن العشرية وما قبلها، أجيالا من المفسدين المتنفذين في مختلف مفاصل الدولة، واحمالا واثقالا من الفساد المستشري، وارتالا وجدرا عالية من الحواجز والموانع والمعوقات؛ وقد يتطلب التصدي لتلك التركة الثقيلة، بلا خسائر، كثيرا من المضاء والصرامة والشجاعة والتصميم؛ لكنه يتطلب مثل ذلك، بل أكثر، من الحكمة والرزانة والتعقل والهدوء، والقدرة على الاختيار الواعي بين البدائل المتاحة،
يمشي بالشور الي فاخلاكو يجري!!
الحسن ولاي علي