تعريب التعليم.. منهج أم حيلة؟!/ محمد المنى
***
شخصياً كتبت هنا قبل سنوات أن بعض الشخصيات التي سجلت مواقف في الدفاع عن التعريب، قد أساءت كثيراً للغة العربية، ليس فقط بجهلها للغتنا القومية، ولكن أيضاً بما اقترفته من ممارسات مشينة بحق المال العام والمرافق العمومية التي تصرفت فيها كملكية شخصية أو عشائرية. وبذلك فقد بدا للبعض أن التعريب والمطالبة به غالباً ما يكون وسيلة للتغطية على مفاسد عمومية أعظم من سيطرة اللغة الفرنسية.
***
وذات مرة قال لي مفكر مغاربي ذائع الصيت إنه وجيله كانوا فرحين للغاية بتعريب التعليم في بلدهم خلال السبعينيات، قبل أن يكتشفوا أن التعريب لم يكن أكثر من لعبة أو حيلة للإبقاء على احتكار الطبقات النافذة للوظائف المهمة والحساسة، والتي ظل الولوج إليها مشروطاً بدرجة عالية من إتقان اللغة الفرنسية، وظلت هذه الطبقات (المشرفة على التعريب والمستفيدة من دعايته) تحتفظ بأطفالها في نظام تعليمي فرنسي رديف وموازي.
***
كانت تونس الدولة المغاربية التي نجحت في إرساء أرقى نظام تعليمي في عهد الراحل بورقيبه، وكان نظاماً عمومياً موحداً ومزدوج اللغة، يمنح خريجيه أفضل تكوين نظري وعملي. وكانت الدولة الموريتانية وهي تخطو خطواتها الأولى في بناء نظام تعليمي مغاير للنظام الذي تركته فرنسا عشية الاستقلال، تنظر باهتمام خاص إلى التجربة التونسية، وقد أُعجب الرئيس المختار بنموذج المدرسة الصادقية التي خرّجت أفضل العقول في تونس، وكانت مزدوجة اللغة، ومن هنا بدأ يفكر في استحداث منهج يفتح قناة انتقال بين نظامنا التعليمي الموروث برمته عن فرنسا ونظامنا التعليمي الأهلي المحظري، فكان البدء بإدماج خريجي المحاظر كمعلمين وأستاذة وقضاة وإداريين (بل ووزراء أيضاً)، ثم استحداث باكالوريا شعبة الآداب الأصلية.