على ذكر العلمانية/ عبد القادر ولد محمد
… و قد أدي ادخال مفهوم العلمانية الى اللغة العربية من باب الترجمة الي سوء تفاهم مستديم يتعذي من ضرورة اختلاق الخصوم بالمشهد السياسي في العالم الاسلامي علي وجه الخصوص .. فعلي المستوي الاصطلاحي يعتبر بعض كبار المفكرين المتخصصين في الدراسات الاسلامية من امثال المستشرق جوزيف فان ايس بان المسلمين علمانيون معللا قوله بان ” علاقة المسلم بالله لا تحتاج الي وساطة الكهنة ” كما هو الحال في نظام الكنيسة ..
و للمصطلح أصوله المعروفة تاريخيا في السعي الي الفصل بين الدين والسياسة وفقا لقاعدة ما لله و ما للقيصر التي صارت تعرف بالعلمانية laïcité بالمفهوم الفرنسي او بالزمانية secularism وفقا للتعريف الانكًلوساكسوني .. و قد يكون هذا التعريف الأخير الذي يتضمن فكرة التكيف مع الزمان .. والناس ..كما يقال عندنا .. ابناء زمانهم ..اكثر دقة لوصف الانفصال التدريجي بين السلطة الدينية و السلطات السياسية في التاريخ الاسلامي و هو الانفصال الذي تجسد.مبكرا من خلال او ل تعريف سياسي لاهل السنة علي لسان العلامة المجتهد عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) بقوله ان. “اهل السنة هم الذين يرفضون الخروج على السلطان في كل الحالات و يصلون خلف ممثله مهما كانت درجة ورعه ” و قد صار علي نهجه الجمهور و خالفه الشيعة و الخوارج .. فالشيعة كما هو معلوم سعوا الي نصب امام من اهل البيت قبل ان تتحول رؤيتهم في ما بعد الي نظام تيوقراطي يكون فيه الامام هو ظل الله في الارض اما الخوارج فقد كافحوا .. قبل ان يتم سحقهم نهائيا ..من اجل تكريس نظام ديمقراطي بتم بموجبه انتخاب راس السلطة ..
و بالجملة بقيت دار لقمان علي حالها عبر القرون الي غاية نهاية القرن التاسع عشر الميلادي او بداية القرن العشرين حيث برزت ..علي خلفية الاحتكاك بالغرب الاستعماري وما نجم عنه من تغيرات جذرية في خارطة العالم الاسلامي ..للوجود . جماعات الاسلام السياسي المعاصر الذي خرج في اغلب الاحوال من بين إبط ومرفق في محاولاته الرامية الي إسقاط الديمقراطية علي الحالة الاسلامية ناسيا او متناسيا ان الديمقراطية تتضمن بعدا علمانيا لا مفر منها حيث انها تعني بالأساس ان الحكم يستمد مشروعيته من إرادة الشعب لا من احكام الفقهاء .
و يقتضي هذا الاستنتاج ان سلطة القانون تفوق حتما سلطة العلماء الذين يخضعون كسائر المواطنين ..حسب معيار كل مواطن له صوت… الي مبدأ المساواة .. و قد سعي أوائل الاسلام السياسي الي مصارعة السلاطين المستبدين باسم الديمقراطية الا انهم ايضا سعوا الي احتكار المشروعية الدينية لأغراضهم السلطوية . و هذا امر معروف .
و من المعروف كذلك ان مفهوم العلمانية ظهر في العقود الاخيرة .. بعد انهيار اليسار و تلاشي الأفكار اليسارية التي وقف ضدها اجيال من الاسلاميين مع معسكر المحافظين.
وقد استخدم بعضهم في السياق المورتاني شماعة الشيوعية ضد المد التقدمي الساعي الي الانعتاق السياسي و الاجتماعي للبلد قبل ان تتحول اجيالهم الجديدة الي معارضة للاحكام في تنافس ملحوظ مع رموز المؤسسة الدينية التقليدية المؤازرة للأنظمة القائمة .. و بعد دفن الشيوعية في مقبرة الأفكار السياسية ظهرت العلمانية في قاموس الإسلامين كعنوان ضروري لخصومة سياسية مع التيارات الليبيرالية و اليسارية قبل ان يتبني قادتهم لزوم ما يلزم من العلمانية في سياق المراجعات الفكرية ..
و مما لا شك فيه ان مسالة العلمانية تتجه الي حسم نظري حيث ان الحركات الاسلامية التي تعتمد العمل السياسي في النظام الديمقراطي العلماني بطبعه تخلت بتفاوت عن ميولها التيوقراطية و ان التيارات الليبرالية واليسارية اعترفت و تعرف انها لا يمكنها أبدا تجاهل الظاهرة الدينية في مجتمع إسلامي..
عبد القادر ولد محمد