البيانات الصحية “تسر ولا تغر”/ الحسن مولاي علي
في نشرتها ليوم السبت ١٨ إبريل٢٠٢٠، أعلنت وزارة الصحة خلو بلادنا، ولله الحمد، من أي حالة محققة من جائحة كورونا (كوفيد ١٩)؛ وهو إعلان عزز-بلا شك-مستوى الطمأنينة والثقة في التدابير والإجراءات التي شكلت تفاصبل الخطة الوطنية الاستباقية المحكمة، وأكد نجاح تلك التداببر واتعليمات والإجراءات الصارمة، في محاصرة الوباء، ومنع انتشار الفيروس المسبب له.
الرئيس الغزواني بادر بالتهنئة بخلو البلاد من الوباء، محذرا من أن بؤره ما تزال مشتعلة في جميع أنحاء العالم، داعيا إلى مزيد من اليقظة والالتزام بالإجراءات المتبعة، مثمنا في تعريدة له على “تويتر”، مستوى التضحيات التي تحملها الشعب، في مواجهة تلك الإكراهات، ومهنئا بتعافي خمسة من الحالات الست المسجلة في البلاد، ومعزيا في ضحايا الوباء من الموريتانيين، في الداخل والخارج.
وزارة الصحة كانت قد استبقت إعلان خلو البلاد من فيروس كورونا، بتأكيد شفاء آخر اثنين من ست حالات مسجلة في موريتانيا، ثم أعلنت أن الفحوص المخبرية لنحو تسعمائة شخص من نزلاء الحجر الصحي، في نواكشوط، وبعض المدن والبوابات الحدودية، قد اكتملت، وجاءت سالبة بالكامل، حيث رفع الحجر عن المعنيين والتحقوا بأسرهم وعائلاتهم، مزودين بما يثبت خلوهم من العامل المسبب للوباء.
إلا أن فرحة المواطنين الغامرة بإعلانات وزارة الصحة المتلاحقة، عن حالة الجائحة، وخاصة بيانها الاخير عن خلو البلاد من فيروس كوفيد ١٩، وإن كانت تفاعلا مشروعا، يجب ان لا تتجاوز قدرها، فتقود إلى تساهل في الحيطة والحذر، أو تهور وغرور؛ فمهما يكن حجم الغبطة بتلك البيانات، فإن النظر إليها يجب ان يظل في إطار كونها مما “يسر ولا يغر”.
نعم…علينا أن نحمد الله تعالى، ولنا أن نفرح بنعمته وتوفيقه، ونغتبط بالنجاح الذي حققته وتحققه خطتنا الوطنية لمحاصرة الوباء وهزيمته؛ لكن مع مضاعفة البذل والدعم والمساندة، في إطار الخطة المرسومة، وعلى كل مساراتها، ونجتهد في مواصلة العزل الذاتي، والحجر المنزلي، والتباعد الاجتماعي؛ بلا تراخ ولا تساهل، ما لم تعلن الدول التي تطوقنا، والعالم من بعدها، الانتصار الكامل على فيروس كورونا.
صحيح ان الفئات الفقيرة من شعبنا، والتي يعيش اغلبها على كسب عيش العيال يوما بيوم، قد تضررت كثيرا من الإغلاق الوطني، لكن تكفل الدولة بها، من خلال المخصصات المالية الضخمة من ميزانيتها، معززة بمداخيل صندوق التضامن الوطني لمواجهة الجائحة، والذي تلقى تبرعات معتبرة؛ هذا التكفل بالفقراء والمحتاجين سيتواصل ما قامت ضرورة وطنية للإغلاق، ثم تكون تلك الفئات قد ساهمت في التضحية الوطنية، وهي مهما كانت غالية، فإنها تهون من اجل إنقاذ الأرواح.
طبعا، فإن أمر الإغلاق، والترتيبات المصاحبة له، يعود أساسا، بل وفي كل تفاصيله، لتقدير السلطة الوطنية العلبا، ممثلة في رئيس الجمهورية وحكومته، وفي اللجان الوزارية لمتابعة الأزمة، بفروعها المختلفة؛ ومن ثم، فإن “للبيت ربا” يسهر على مصالحه؛ ومن المحتمل ان تخفف السلطة بعض جوانب حالة الإغلاق القائمة، بما يسهل حراك قطاهات شعبية، تدعوها له ضرورات حياتية ملحة؛
لقد حمل بيان الحكومة، ممثلة في وزارة الصحة، بخلو بلادنا من فبروس الوباء، حمل رسالة مشفرة تلقتها مختلف الاوساط والفئات، ومن زاوية الاهتمام الضاغطة، تعاورها المحللون والمفسرون من كل فئة؛ وعلى اختلاف همومهم تلاقوا عند قدر مشترك هو أن السلطة تعكف الآن على إعادة تقييم شاملة للوضع، والأرجح أنها تتجه إلى فك الإغلاق، نسبيا، عن بعض المصالح والمناشط والطرق والمدن؛ وقد تقلص ساعات حظر التجوال الليلي، وربما تمنح إذن التصرف لبعض القطاعات، بما يقتضيه خلو البلد من الفايروس، لكن دون حدوث خرق في جدار الصمود في المعركة التي تحقق انتصارات ضد الوباء.
وعندما تعكف السلطة على إعادة تقييم وضع ما، وهي المحيطة بأبعاده المختلفة، وصاحبة القرار النافذ فيه، تنتج قرارات ميدانية تنعكس على حياة الناس، بخلاف ما لو تولى تقييم الوضع الكتاب والمحللون والمدونون، من خارج دائرة المسؤولية عنه، فالناتج عندئذ يكون مجرد رأي بين الآراء، وهي تتفاوت بتفاوت أصحابها في وعي الواقع والمتوقع، وفهمهما بأبعادهما كافة، وضروراتهما ومعوقاتهما؛ ومن ثم تأتي خلاصاتهم منطقية، فقط، بمقاييس الكاتب؛
ذ
هاكم خلاصة منطقية بالمقاييس الخاصة بهذا المتطفل على القراءة والتحليل، لإعادة تقييم مرحلة ما بعد الإعلان عن خلو بلادنا من فيروس جائحة كوفيد ١٩ وما يتيحه ذلك من نفس في الإغلاق:
أولا: الحدود:
– مواصلة و إحكام إعلاق الحدود مع العالم من حولنا، برا، وجوا، وبحرا، بلا تردد، ولا استثناء؛
– سن قانون صارم بإنزال عقوبة رادعة بالسجن والغرامة، بحق كل متسلل او معين له، او متكتم عليه؛
– تحديد نقطتي عبور (2) مع كل من السنغال ومالي، ونقطة عبور (1) مع كل من الجزائر والمغرب؛
– اعتبار كل عابر من غير تلك النقاط متسللا يستحق العقوبة الرادعة طبقا لقانون التسلل.
– إقامة محاجر دائمة أو مؤقتة، صالحة للإقامة، بكل معبر حدودي من تلك الستة المأذونة، على نفقة الولاية.
– السماح لكل الموريتانيين العالقين بالعبور إلى الوطن، مع إخضاعهم للحجر الصحي الإجباري، في مركز عبورهم،
– متابعة اوضاع الموريتانيين خار ج الحدود، مع حالة تطور الوباء حيث يقيمون، والإنفاق على إجلائهم عند الاقتضاء، وإخضاعهم جميعا للحجر الصحي، عند المعابر؛
ثانيا: حظر التجوال:
– تقليص ساعات الحظر التجوال الليلي، ليبدأ من العاشرة ليلا، مع استمرار حظر كل الحفلات والندوات والاجتماعات والمناسبات والتجمعات؛
– تعزيز دوريات وفرق الأمن الليلية في المدن المكتظة؛
– تشديد العقوبات على من يخترق الحظر، بلا مبرر؛
ثالثا؛ المساجد:
– عودة تدريجية للجمعات، تبدأ بجامع واحد بكل مقاطعة في نواكشوط، وبكل مدينة فى الداخل؛
– تعقيم المسجد منبرا ومحرابا ومصلى ومرافق؛
– تحديد حد أعلى للمصلين المسموح بحضورهم؛
– فرض تعقيم اليدين والكمامات، على كل داخل؛
– اشتراط سجادة شخصية في الولوج إلى المسجد؛
– فرض مسافة التباعد الوقائية في الصفوف،
– الزام المساجد بتلك الترتيبات كاملة، في الصلوات الخمس، تحت طائلة الإغلاق؛
– تأهيل مسجد واحد أسبوعيا، في كل مقاطعة او مدينة داخلية، لصلاة الجمعة، بتلك الاشتراطات؛
– استمرار التعبئة الإعلامية والميدانية حول الضوابط الجديدة للجمع والجماعات، والترخيص في التخلف عنها، حيطة.
رابعا: الآدارة والاعمال:
– تشكيل فرق تناوب، في المكاتب والدوائر والمؤسسات والشركات والمعامل، منعا للزحمة؛
– تقليص ساعات الدوام الرسمي اليومي إلى النصف، ما لم تدع ضرورة وطنية إلى المزيد؛
– منع تناول الشاي والقهوة والمرطبات، في أماكن العمل، ما لم تكن من وحدات الخدمة الآلية؛
– فرض احترام مسافة البعد الاجتماعي في الطوابير؛
خامسا: الأسواق:
– تعقيم جميع الاسواق الكبرى قبل إعادة فتحها؛
– تقليص ساعات فتح الاسواق إلى سبع يوميا، من التاسعة صباحا إلى الرابعة عصرا؛
– تمتد فترة السماح للباعة المتجولين، ومزودي الاغذية والوجبات التقليدية إلى الثامنة ليلا؛
– التشديد في منع الزحمة في كل تلك المناشط التجارية، تحت طائلة العقوبة؛
– عدم السماح بتناول الوجبات في المطاعم، و يختصر السماح لها على الإعداد، وخدمة التوصيل الآمن؛
سادسا: النقل:
– فتح الطرق جزئيا للتنقل بين الولايات والمدن، في غير أوقات حظر التجوال؛
– إيجاد حل يضمن التباعد الوقائي في مقاعد الباصات وسيارات الاجرة والنقل الحضري، وينصف الناقل، ولا يثقل كاهل المواطن؛
– الحل يمكن ان يتمثل في خفض معتبر لسعر الوقود، خلال الازمة وحالة الإغلاق، على ان يسدد الفارق من سندوق التضامن الوطني لمكافحة كورونا؛
سابعا: التعليم:
– بدء مداومة الطواقم الإدارية والفنية بالمدارس والمعاهد والكليات، إعدادا واستعدادا لترتيبات الامتحانات في وضع شبه الإغلاق؛
ثامنا: الوقاية والعلاج:
– المبادرة بإنشاء مجلس علمي استشاري لمتابعة تطور الوباء، يدعى لعضويته اكابر الاطباء وعلماء الأوبئة وخبراء الإحصاءات وعلماء الرياضيات، تكون استشارته متكأ لقرارات اللجنة الوزارية العليا لمتابعة الوباء؛
– استمرار حالة التعبئة القصوى في المراكز الطبية والعيادات، والتدخل العلاجي عند الحاجة؛
– ضمان الفحض المخبري لكل الخاضعين للحجر الصحي في نقاط العبور المأذونة،
– إقامة مركز متخصص للفحص والبحث عن الفيروس واعراضه، مع مجانية الفحص للراغبين؛
– إجراء فحوص عشوائية دورية، في مختلف الاوساط، وشتى الولايات والمناطق؛
– فرض استعمال الكمامات او ما يقوم مقامها من لثام ونحوه، على كل مصل في جماعة، او عامل بين زملائه، او متسوق او بائع في السوق، او معلم او متعلم حين الدرس، او واقف في طابور شباك او نحوه، او راكب سيارة مع غيره….
وإن من البدهي ضرورة إعادة تقييم رسمية للوضع، بمساهمة الخبراء من شتى التخصصات؛ مع المتابعة الدقيقة لاوضاع الوباء في العالم، والتدابير ذات الطابع الدولي المتعلقة بمواجهته؛ على ان يربط رفع الإغلاق النهائي بنجاح العالم من حولنا في وقف انتشار الفيروس نهائيا، بحيث يصبح حديثا من الماضي؛ إنه آفة واحدة تستهدف الانسان على هذا الموكب، لا تعترف بحدود او اي نوع من التمايز والقيود، وكل إنسان في هذا العالم مسؤول، من موقعه عن حماية نفسه واهله والآخرين.