نصيحة صكوطي …/ ذاكو وينهو ( المرتضى ولد محمد أشفاق)
حدثني سيد سالم قال : خرجت يوما لزيارة أحد الإخوان ، فإذا أنا برجل قصير القامة ، مفـــــــتول الساعدين ، متباعد الرجلين ، أصلع ، كث اللحية ، فيها رزم شيب متفرقة ، واسع الفم ، قصير الرقبة كأن رأسه وضع على صدره ، ولما هممت بجوازه أمسك ساعدي بعنف وقال إلـــى أين؟ قلت إلى حيث تسوقني قدماي ، ولم أحدد الهدف بعد…فقال : أنا يربان وكنت إخالك منهم ، قلت ومــــــن هم ؟ قال العشاق وضحك ملء فيه حتى سال منه لعاب كثير حاول ازدراده بزاوية ملتقى شفـــتيه فلم يفلح , وأحدث صوتا منكــــــــــــــــرا ، وأردف : عشاق المائدة…قلت : هبني منهم ، قال : إذن أنصحك….اعلم حفظك الله ، ورعاك ، أن الناس في الدعوات الجفـــــــــلى
أشكال وطبقات …وأن لكل صنف من الناس ما يناسبه من الطعام والخدمات ، فــــإذا قدر لك أن تحضر تلك الموائد ، فتريث ، ودقق قبل أن تقدم ، وأجل الطرف في كل ناحية ، حتى تتحقق من المجموعات ، ثم اختر واحدة من ثلاث في أيها كنت فزت …
واحذر أربعا ….احذر الحلقة السفلى ، وهي عادة من العاطلين المحليين ، الذين لا يوقر صغيرهم كبيرهم ، ولا يرحم كبيرهم صغيرهم ، جل أحاديثهم قهقهات عالية ، تقطعها ألفاظ نابية ، هذه هي حلقة الانتظار ، نصيبها الفضل ، وهو عظام جردت من لباسها إلا ما خفى وعجزت الأظافر عن الوصول إليه ، هذا إذا لم يختطفه بعض شياطين الأطفال المتربصين بها من كل جانب ، وهم فرسان هذه الميادين ، هذه الفــــئة لا تحلم بفراش طعام ، ولا مغسل ، ولا تشم رائحة التمر و إنها لتشتهيه ، ولا تسمع صرير الكؤوس ، وتشرب من مـــــــــاء المغارج بعد قنوط…تليها الحلقة المتضخمة ، ويكون فيها واحد أو اثنان من بسطاء الأعيان الذين لم يبرحوا الحي ، جلب عليهم سمت الاستكانة وتقبل ما تجود به الظروف والرضا بالدون استخفاف الناس ، اذا سلمت عليهم رد كبيرهم قائلا (وعليكم بالسلام ) ، أكثر أحاديثهم رواية كرامات الأسلاف ، وحكايات أبطال المصارعة في قديم الزمان ، و الأطفال وحدهم المستهلكون لهذا النوع من القصص ، تعاني من الازدحام واندساس الصغار فيها لهوان قدرها ، وهي لا آيسة ولا آملة ، لكنها بائسة ، قد تجد قصعة طائشة ، أكثر ما فيها مصارين وقطعة كبيرة من الشحم ، وقطعة لحم مجهولة العضو و الهوية ، يغمزها أحدهم بظفره فتنزلق كالكرة بعيدا لتغافل جليسا آخر فتستقر في حجره ، يتناترها الرجال لكنها تبقى عصية متمنعة ، وقد يسقط المتناترون كل على قفاه لرفضها الاستجابة لضغط الأصابع… هذه الحلقة لا تجد فراش طعام ولا موسى ولا تغسل وتمرها حشف متقعر كثير العثاء…الحلقة الموالية هي الحلقة المنكتة ، تعمد إلى الفكاهة ، تعوض بها طول الانتظار ، عيونها شاخصة إلى غرفة العمليات وتحضير الطعام ، تتحدث تارة عن التاريخ ، كأيام ولد امسيكه ، وتحصي من ولد من أهل الحي عام موته …وتروي تافه الأخبار ، وتتميز بالجراءة على الطلب ، لم تطل رحلة اصحابها مع القرآن الكريم حيث توقف أبعدهم مدى عند (عبس وتولى..) ، يقولون في الرفع من الركوع (سمع الله لمن حمدن) ، تخلفوا عن ركب الدراسة ويدعون أنهم حسنا فعلوا ، وربما حنا عليها بعض المنظمين ، وتجد فراش طعام تكرر استهلاكه رغم أنه من الصنف الذي لا يستهلك إلا مرة واحدة ، وتغسل قبل الأكل لا بعده ، وبلا صابون ، ونصيبها من اللحم ، من الشاة الرابعة هبوطا ، وهو في الغالب “حصير من الأضلع الرديئة” متفاوتة الحجم ، مع بعض المصارين ، ويحشر لها كل محرم على المصابين بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والمعدة ، فتتقبله راضية شاكرة ، وتشرع معركة أمضى سلاح فيها الصمت حتى يأتوا على آخره ، يغبطهم المنعمون من أصحاب الأمراض المزمنة….تليها الحلقة المتوسطة ، ولأصحابها حظ يسير من الثاقفة يسمح لبعضهم أن يحدثك عن زرك “وي ونون” “وول حرم وول يحيى انجاي ” ، بل تتجاوز هذه المرحلة إلى التلفظ بألفاظ فرنسية ، سبيلا إلى التعالي على البلديين ، و انصاف الأميين ، يقولون من حين لآخر ” جنوم كسكي تبرانه…. إيسي سيل تبلى….ايمبسيل…ركاردى اموا سبوفر…”
jeune homme qu’est ce qui te prend..ici s’il te plait..imbessile…regardez-moi ce pauvre….
, هذه الحلقة تقدم لها بعض الخدمات بعد لج ، وتختار لها الأعضاء الصلبة ، مثل ” الكصروات و”اشواكل” وكل ما يستعصي على أصابع وأضراس أهل الحظوة – جعلني الله وإياك منهم – ، و موساها موسى خبز ، لا موسى لحم ، ويقدم لها تمر صلب بلا جبن ، وتشرب البراد الاخير من شاي بلا نعناع ، رغبة من الخدام في تفريغ ” البراديد” لا إكراما لها ، ويغسل أفرادها بعد الأكل متفرقين كل بمجهوده الخاص ….
تحسس سيد سالم رقبته و تمتم قائلا لأنتقرن اللين تحت الأضراس ، و السلس في البلاعيم ، و ظفري في أفخاذ الطفيليين الصغار ….