5 يونيو… يوم مستمر كل يوم! بقلم/ م. محفوظ أحمد
هذا اليوم ليس كئيبا في الذاكرة العربية فقط، بل مؤلم مدمر… 5، 6 حزيران 1967
هو ليس يوما واحدا ولا ستة أيام… هو كل يوم، بل كل لحظة تطالعك فيها أخبار فلسطين؛ ترى وجوه الفلسطينيين، ترى أجساد شبابهم يمزقها رصاص النار كأتفه الحيوانات… ترى قبة الصخرة تبكي والمسجد الاقصى يدنس، ومسجد خليل الرحمن يستباح… ترى تلك الأرض المباركة تقتلع الجرافات العسكرية زيتونها وكرومها ومبانيها العريقة لتمكين المستوطنين القادمين من أقاصي الآفاق من العيش الرغيد عليها، على أشلاء أصحابها وأنقاض مساكنهم…
كل ذلك كان يوم 5 حزيران وتوابعه الخمسة. يوم بقرون من الويل والإهانة لأمة العرب…
لم تكن حرب 67 ضربة غدر مفاجئة من أهل الغدر حقا، بل كانت بدء حرب متوقعة منذ حرب 1956 مع مصر؛ فقد كان المحتلون الصهاينة يحشدون قواتهم على حدود سوريا، وعبأ المصريون كتائب عسكرية في سيناء وطلبوا سحب قوة الأمم المتحدة في شرم الشيخ، وإغلاق مضيق تيران، الذي تتزود منه “إسرائيل” عبر إيلات… كانت طبول العرب تصدح هنا وهناك ولغتها تتوقد حربا وشيكة…
وكان الاتحاد السوفييتي ينذر ويحرض ويرسل السلاح والخبراء… والولايات المتحدة وأوروبا تسلح وتمول وترعى نبتتها الخبيثة في فلسطين…
واندلعت الحرب. وكانت “إسرائيل” صاحبة لحظة الصفر، مع أنه في تلك الظروف يفترض أن كل طرف يراقب الآخر عن كثب ويتوقع هجومه ومبادرته في كل لحظة…
لكن “الاسرائيليين” فوجئوا حين بادروا بأن الطرف الآخر يغط في نومه ولا يتوقع ـ قبل الأخرة ـ سوى الحروب الكلامية والعنتريات الإعلامية، فدمروه على مدى أيام قليلة، كانوا في نهايتها قادرين على احتلال القاهرة ودمشق وعَمان بدون صعوبات عملياتية…
كانت شر هزيمة: مروعة ومذلة ومدمرة في التاريخ؛ لما ذا؟!
لأنها لم تكن خسارة معركة ولا هزيمة في حرب سجال… بل كانت هزيمة مستمرة متجددة فعالة إلى يومنا هذا؛ ما يزال العرب يتلقونها كل صباح عبر هذا الواقع القائم المتجدد، حتى هذه اللحظة ؛ من خلال استمرار احتلال “إسرائيل” لكامل فلسطين وللضفة الغربية من نهر الأردن ولمرتفعات الجولان وبحيرة طبرية، ولجزيرة سيناء (وضع سيناء بموجب كامب ديفيد أسوأ من احتلالها، لأنه احتلال لمصر كلها!)
***
سأتوقف هنا، لن أتحدث عن ردة فعل زعماء العرب، ولا كيف واجهوا النتائج فحاسبوا المتسببين في الهزيمة التاريخية، ولا كيف تحمل الزعماء المسئولية فاختفوا أو حوكموا أو انتحروا…
لن أتحدث عن دروس الهزيمة السياسية كيف استفادت من هزيمة اليابان أو ألمانيا… فاتحد العرب وأقبلوا على البناء السياسي الديمقراطي والاقتصادي والتقني، ليحولوا الهزيمة الحربية المؤقتة الى انتصار أكبر واشمل من كسب معركة عسكرية، هو بناء الانسان الحر المكرم المنعم الذي يهابه ويحترمه ويستجديه أهل الأرض قاطبة…
أترك الواقع يحدثكم عن “النكسة ” اللطيفة البسيطة التي رد عليها زعماؤنا في الجبهة ووراءها بالبيانات الفصيحة والمقالات البليغة… لقد وجد زعماؤنا في مزيد من الاستبداد والقمع وإذلال شعوبهم وخداعها… خير علاج لهزيمتهم فحولوها بذلك، وبكل بساطة، إلى انتصارات خارقة خالدة…!!
فمن سره أن يعرف النتائج فالينظر الآن إلى العرب ودولهم وجامعتهم… وإلى “إسرائيل” والعلاقة بها؛ هل هي علاقة تهديد وثأر وكرامة… أم علاقة….؟؟؟!!!!