ما كانت أكثر الأحلام الوردية حماسا وتفاؤلا، بنجاح عملية التناوب على كرسي الرئاسة، بعد ذلك المخاض القلق، بين المحمدين، ما كانت لتستشرف المحطة التي نقف على اعتابها اليوم، وقد تمكنا، باقتدار وحزم لا مكان فيه للصدفة، وبروية وإحكام، من العبور بالدولة من خندق العشر الشداد؛
نضج العبور الآمن، على نار هادئة، وبمراحل متداخلة؛ انسلاخا ممن نهج العشرية، وكسرا لقيودها وعوازلها، وتفكيكا لجدر متاريسها وتحصيناتها، وتسورا لقلاعها وجدرها؛ والأهم من كل ذلك إحالة شخوصها وحرسها القديم الجديد، إلى التقاعد القسري؛
كان مجرد التفكير في إمكانية حصول ذلك العبور، بأمان، في ظرفية حرجة كهذه، وعلى أرضية معدة بعناية، لتظل تحت السيطرة، ضمانا للممانعة، كان ذلك ضربا من الخيال الجامح؛ أما حصوله واقعا معيشا، وبأقل الخسائر، فتلك هي المعجزة؛
هي معجزة بالنظر إلى لانطاق الزمني الضاغط، نطاق تم فيه تكريس الجهود والإمكانات والقدرات الوطنية كلها، لمواجهة الوباء العالميكورونا، والذي هز مصداقية دول عظمى، وتعثرت بتداعياته افضل الأنظمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية؛
خلافا لكل التوقعات، إذن، ورغم الإكراهات الوطنية والعالمية، تحقق العبور الآمن، مع بزوغ فجر العام الرئاسي الثاني، وقد وصل خط سير سنة مضت، من مأمورية الرئيس محمد الغزواني إلى نهاية مشرفة، رغم الضغوط والشكوك والعراقيل؛
كانت سنة كرسها الرئيس وفريقه لإعادة استزراع وعي غائب بالدولة، وتكريس لمفهومها الملتبس؛ مع التركيز على صيانة البيضة الوطنية، وتقديم خدمات الحد الادنى المتاح، ريثما ينزع فتيل بؤر التأزيم التي زرعها رب العشرية، بعناية، واحتفظ بلوحة أزرارها؛
لإبطال مفعول تلك البؤر التي تدار بالريموت كونترول، وتتحكم في مفاصل الحكومة نفسها، تحرك الرئيس الغزواني، بمرونة وصمت وهدوء وتصميم، لتعرية زيف لعبة “الرئيس بالوكةلة”، وقد فشلت من قبل، مع رئيس مدني، فافترض مهندسها نجاحها مع رفيق سلاح؛
تلك فرضية فجة غبية، باتت خيارا محتملا، يوم ايقن الرئيس السابق ومن حوله من حراس النهج، ان قطعان التزلف والمكاء والتصدية، لا تملك بوابة سحرية للولوج إلى مأمورية ثالثة، غير طريق الحنث باليمين، والنكث بالميثاق، والانقلاب المألوف غلى الدستور..!!
في حفل الاستقلال الذي كان معدا سلفا، على صفيح ساخن في اكجوجت، لعب الرئيس الغزواني، الورقة الرابحة، باخترافية نادرة، بدءا بأعاد ضبط الولاءات وترتيب المأموريات، في دوائر الأمن العسكري عموما،
فخسر سلفه رهانه الأساسي؛
ثم كانت دعوة الجفلاء التي عمت نخبة البلد، رؤساء سابقين، وزعماء معارضة ووجهاء وشخصيات عامة ومرجعية، وبين الجموع، حمل مقعد وثير، ظل فارغا طوال الوقت، اسم الرئيس السابق، وبالخط العريض، فتخطفته كاميرات النقل الحي؛
كانت غزوة الاتحاد من اجل الجمهورية، والتي أعادت تحديد مرجعية الحزب، ومهدت لمؤتمره العام، والذي كان بمثابة إعادة تنصيب شعبي للرئيس الغزواني، وتقلمت أظافر الاطماع، فيما عكفت لجنة ب لمانية على التحقيق في تهم بالفساد، فاحت رائحتها طويلا؛
أخيرا نطق تقرير البرلمان بإدانات صريحة وضمنية رجال ونساء تولوا كبر فساد العشرية، فرجت الخالة الوطنية رجا؛ ثم بين الادعاء وشرطة الفساد، زلزلت الارض بديناصورات الفساد وغيلانه، وحيتان الغلول وثيرانه، بمن فيهم وزراء من عهد العشرية؛
مدت الاشرعة، وأمر الربان بالإبحار بعيدا عن نهج الفساد ومستنقعه، وعن ممارسات قراصنة العشر الشداد؛ ثم، وعلى شاطئ النجاة لم يجد “طارق” سوى حرق المراكب، سبيلا لمنع العودة إلى مرافئ الفساد!!