ماذا بعد وصول بايدن للبيت الأبيض؟/ دداه عبد الله
دقائق قبل أن ينتصف يوم الأربعاء العشرين يناير 2021 أدى جو بايدن القسم كالرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
في الثامنة والسبعين من عمره يكون بايدن أسن رئيس أمريكي يدخل البيت الأبيض على مر التاريخ.
إلى جانبه في حفل مختلف كل الإختلاف عن سابقيه في كل شيء تقريبا أدت القسم أيضا نائبته كامالا هاريس لتكون بذلك أول امرأة سوداء ومن أصول مهاجرة تتولى المنصب.
ولأول مرة أيضا منذ ما يزيد على مائة وستين عاما لم يحضر الرئيس المنصرف الحفل الذي جرى وسط إجراءات أمنية وصحية مشددة.
في خطابه بالمناسبة شدد الئيس الأمريكي الجديد على استعجالية رأب الصدع الذي خلفه سلفه في جدار المجتمع الأمريكي في ظل أزمة اقتصادية وجائحة صحية وتهديد إرهابي داخلي.
في يومه الأول كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية بدأ بايدن توقيع قرارات تلغي بعض الركائز التي بنى عليها سلفه دونالد ترامب سياسته كالعودة إلى اتفاقية باريس حول المناخ وإلغاء خظر دخول مواطني دول إسلامية إلى أمريكا وإجبارية استخدام الكمامات وفرض التباعد الإجتماعي في المباني الفدرالية.
أزمة مماثلة قبل 160 عاما
لكن التركة الأثقل التي ورثها بايدن عن ترامب ولا يمكن إلغاؤها بمجرد جرة قلم هي الشرخ الكبير الذي خلفته سنواته الأربع بين أفراد المجتمع الأمريكي وهو انقسام أدى إلى فصول من العنف انتهت بالهجوم على مبني مقر الكونغرس وهذا الإنقسام لم يعرف الأمريكيون مثيلا له منذ تولي الرئيس ابراهام لينكولن السلطة في الرابع من مارس عام 1861 في ظروف شبه مطابقة لما حدث في العشرين يناير 2021.
في ذلك اليوم كانت واشنطن وكل المناطق المحيطة بها مثل فيرجينيا وميريلاند كلها متعاطفة مع الجنوب وكان هناك تهديد كبير لحياة لينكولن نفسه أفضى إلى فرض نظام أمني مشدد كالذي شهدناه الآن حيث أحيطت عربته بمائات الخيالة من رجال الأمن مما جعل من الصعب على الجمهور مشاهدته وكان عدد الحضور خمسة وعشرين ألفا وهو ما شاءت الصدفة أن يكون نفس عدد أفراد الحرس الوطني الذين تم نشرهم لتأمين تنصيب بايدن.
خطاب لينكولن في حفل تنصيبه كان مميزا كعادته لكنه اتسم بنبرة درامية لتزامن الحدث مع إعلان سبع ولايات جنوبية انفصالها فيما اعلنت ست ولايات أخرى تشكيل اتحاد الولايات الكونفدرالية الأمريكية.
في تلك المناسبة لم يهدد لينكولن أي أحد وتضمن خطابه القصير ذلك عبارة “الوحدة” عشرين مرة وحاول طمأنة الجنوبيين بالتأكيد على أنه لن يمس من “مؤسسية” العبودية ولن يتخذ أي مبادرة عنيفة لكنه أيضا لن يسمح بالمساس بوحدة البلاد.
ورغم كوننا نتحدث عن أعظم رئيس في تاريخ ااولايات المتحدة فإنه لم يتمكن من تحقيق ما دعا إليه ولم يستطع الحيلولة دون وقوع الحرب الأهلية فقد أطلقت ولاية ساوث كارولاينا الشرارة الأولى لتلك االحرب بعد شهر من خطاب التنصيب وليتم اغتيال لينكولن لاحقا.
صعوبة الحل الأحادي
إذن في ظروف كالتي تشهدها الولايات المتحدة اليوم حيث يعيش المجتمع حالة انقسام عميق يعلمنا التاريخ الأمريكي (وغير الأمريكي) أنه لرأب الصدع وإعادة توحيد الأمة ونشر السلم الأهلي لا يكفي فقط أن يسعى طرف واحد إلى ذلك بل لابد من إرادة الطرف الآخر أيضا.
من هنا تأتي المخاوف من الإنعكاسات السلبية للنهج الذي اتخذه ترامب منذ إعلان النتائج بتغذية كذبة مفادها أنه هو الفائز ما سيجعل شريحة واسعة من الأمريكيين تنظر إلى بايدن على أنه رئيس غير شرعي وهذا دليل على قوة نشر الأخبار المضللة وضرورة الوقوف في وجهها حتى لا تؤثر على اللحمة الوطنية لأي أمة.
من هنا سيكون التحدي الأكبر الذي يواجه بايدن وحكومته متمثلا في الكيفية التي سيثبتون بها صدق الوقائع وما إذا كانت وسائل التواصل الإجتماعي ستمكن ترامب من جديد من البقاء داخل اللعبة السياسية لمواصلة تفرقة الأمريكيين وزعزعة أمنهم من خارج البيت الأبيض؟ وهل سيتمكن من الإفلات من التهم القضائية؟ وكيف ستنتهي عملية عزله التي بدأت قبل تنصيب بايدن بأيام؟ وإلى أي مدى سيظل الجمهوريون أوفياء له؟
هناك الكثير من الأمور التي يلفها الغموض إذن ويتعين علينا الإنتظار لمعرفة مآلاتها.
ولأن أهم عقاب تلقاه ترامب بعد عملية اقتحام الكابيتول لم يأت من طرف السياسيين (فعملية العزل لم تفض إلى نتيجة بعد) وإنما جاء من عمالقة شركات التواصل الإجتماعي التي ظلت لمدة أربع سنوات تتيح منبرا للرئيس الأمريكي السابق لنشر أفكاره وأخباره المضللة فما الذي يمكن استنتاجه من ذلك؟
الإستنتاج الأول هو أن تلك الشركات اتخذت القرار الصائب لكنه جاء متأخرا جدا وبعد أن تم إيذاء المجتمع الأمريكي.
الإستنتاج الثاني هو أن هذا الفصل من تاريخ الولايات المتحدة أكد أن الصحافة الأمريكية التقليدية (الصحف والإذاعات والتلفزيونات) ليست خالية من المآخذ ولكنها انحازت إلى الحقيقة وكانت وفية لنقل الأخبار الصحيحة والإبتعاد عن الأخبار الزائفة أو المضللة هذا إذا ما استثنينا طبعا حالات نادرة.
أما الإستنتاج الثالث فيتمثل في القدرة اللا محدودة لشركات التواصل الإجتماعي وضرورة أن تنضم الولايات المتحدة إلى المجهود الذي بدأته أوربا منذ فترة والمتمثل في قوننة وتنظيم استخدام هذه الشركات العملاقة التى قد تخضع العالم يوما ما لسيطرة حفنة من المتحكمين إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه الآن.
موريتانيا والحالة الأمريكية
قد يصفني البعض بفقدان البوصلة إذا ما قلت إن هناك تشابها بين الأزمة الحالية لأمريكا (أعظم دولة وأعتى قوة على وجه الكرة الأرضية) وما تعيشه بلادنا (إحدى أفقر دول العالم وأكثرها تخلفا) منذ فترة لكن لا بأس..
فبالرغم من وجود البلدين على أقصى النقيضين في كل شيء بحيث لا يمكن المقارنة بينهما إلا ضمن حدود مقولة الصحافي المصري عاطف عبد الجواد الأخيرة والساخرة التي جمع فيها بين “ترامب والولايات المتحدة وموريتانيا وموزنبيق”
فإنني أنا أضيف “غزواني وعزيز والإنقسام العميق والمظالم ووسائل التواصل الإجتماعي وموريتانيا ورواندا والولايات المتحدة”