من تيه أصغر إلى تيه أكبر.. / المرتضى ولد محمد أشفاق
القبيلة واقع من قطيع + قيم..
القيم تربية أتاحتها ظروف تاريخية معينة بحكم التغلب وحرم منها آخرون…
القبيلة أسرة كبيرة لأنها تدَرُّجٌ لدوائر اتصال تبدأ بك وبوالديك…ليس سخفا أن يقول الكنتي أنا من كنت…وليس عارا أن يقول التندغي أنا من تندغ…وليس شرفا أن يقول الجيجبي أنا من إجيجب ، بل السخف أن يزعم هؤلاء أن قبائلهم خير القبائل، وناسهم خير الناس .. التعارف مطلوب وقد خلق الله الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا…لكن ميزان الفضل هو التقوى،والتقوى شرطها العلم والعمل، فلا يعبد الله إلا بما شرع..
لا يوجد إنسان بلا قبيلة….إذا طلبنا عالما أورئيسا أو وزيرا أو واليا أو ضابطا بلا قبيلة لينتشر العلم وتتحقق العدالة فعلينا أن نستوردهم من الصين أو من بوروندي …
القبيلة إذن أرحام …وصلة الرحم واجبة ومعرفة الرحم واجبة لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب،(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )…والأرحام أحق بالمعروف…..لم يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الهند أو الفرس ليبدأ دعوته من هنالك قبل العرب….بل في العرب بدأ بعشيرته الأقربين، وعندما أمر بالهجرة التفت إلى مكة وخاطبها خطاب مودع مشتاق قائلا إنها أحب بلاد الله إليه ولكن أهلها أخرجوه..أما القبلية بمفهوم التعالي والإقصاء فمقيتة ومرفوضة، لأنها تصبح تحكيما للعاطفة الضيقة في الشان العام….
لا ينتمي أبناء القبيلة الواحدة إلى جد واحد جامع…فالجد الذي تتسمى به القبيلة جامع غير مانع، يمثل الرمز والمظلة والشعار المشترك…
القبيلة إذن تجمع بشري تعايش في أرض، تكاثر فيها، ونسجت خيوط الجوار والمصاهرة والخؤولات تلك العباءة الفضفاضة، ورفع فيها الناس شعار المساواة، وذرية بعضها من بعض،يتقاسمون الرغيف، والملح، وقدح الماء، وأثداء الحلوب، يدافعون عن حوزتهم وعن أنفسهم، لا يسلم الرجل أخاه، ولا جاره، ولا المحتمي به، يتعاونون على البر والتقوى ورد صولة الظالم، وإكرام الضيف وابن السبيل واحتضان طالب العلم…
فلا ينقضي العقد والعقدان حتى تتمتزج دماء الوافد بالمقيم لأن هوية الانتماء تزكية سلوك، ورضى عن دين ومروءة…
وكثيرا ما يكون الوافدون أصلا طلاب علم،ثم ينبتون كالسابقين ويتساوون في اللوازم والحقوق القبلية كلها من سفارات قبلية، وصدارة مجلس علمي أو اجتماعي، ومن مصاريف مادية كديات وغيرها، فلا فضل لسابق على لاحق، هذا من فقه التشريع القبلي الذي رضعناه مع لبان أمهاتنا وروايات آبائنا الخاصة بقبيلة إجيجبه ومنه أن أوائلهم كرهوا صنيعين : أن يقول الرجل لأخيه أنت دخيل في قبيلتنا، أو أن يقول الرجل أنا لست من قبيلتكم أنا أصلي من القبيلة الفلانية…
ولعل سبب حدوث هذا عُقَدٌ وشعور داخلي لا مبرر له بالدون، أما الأول فغاب عنه أنه لا يملك منح أو سلب هوية قبلية أو اجتماعية، إنما مرد ذلك لضعف في ذاته وخلل في تربيته وتخلف في إدراكه، وجد نفسه مفلسا فوَهِم أنه بنية فوقية تتمتع بحصانة التعالي على الغير…
وأما الثاني فبنفس الشعور يبحث عن متسَلق يعلو به إلى رتبة وَهِمَ أنه افتقدها بين أهله ورحمه غير مدرك أنه إن تاه في بحث عن ذات علية واستقر في ركن زعمه آمنا قد يكتشف أن جده السابع أو العاشر كان من طبقة منحطة، أو فارا من زحف، أو متملصا من واجب، أو هاربا بدم أو ديْن أو حيوان… لا خير في التيه إذن،(ماهوحزم)…
والغريب أن الفار باسم برور مُدَّعًى لرحمه الأبعدين الظنيين يقطع رحمه اليقني الحيَّ في حيه، فله خال لا يصله، وعم لايزوره، وجدة لا يسأل عنها…
لا مبرر إذن لعمليات تشريح القبيلة وتمزيق أوصالها بحثا عن أصول غبرت، وآثار درست، وأرحام غطاها رين الأيام…
فالمرء من حيث يثبت لا من حيث ينبت ومن حيث يوجد لا من حيث يولد…
أيها الناس اربعوا على أنفسكم واذكروا ما قال آباؤكم ذات زمان: (لهن لعاد ماهو امبارك ماهولعاك…)
والحياة أقصر من خصام الأحبة والأهل، وصلة القريب المحقق أولى من صلة البعيد المفترض
طرفة :
دحس خالي المرحوم محفوظ ولد الندى يوما كثرة ثناء من في المجلس على المرحوم الحسن الثاني ويتحججون بأنه شريف، فقال لهم: (محدكم تبغو الحسن الثاني لشرفو ابغوني آن اشريف وقريبكم)…