الأمن الديني/ محمد فال بلال
عندما نتحدث عن “الأمن” فإننا نتحدث عن صور عديدة تغطيها الكلمة، ومنها: الأمن على النفس، وعلى الدين، وعلى العِرض، وعلى المال. وهذه الصور جوهرية كلها وضرورية لتحقيق “الأمن العام” للمجتمع والإنسان، ولكن الأمن الديني يبقى أعظم ما يتعين الحفاظ عليه. و في المضمار، ظلت بلادنا على القرون تنعم بالأمن الديني والاطمئنان الروحي بفضل 3 مرتكزات، هي: المذهب المالكي، والعقيدة الاشعرية، والتصوف السني. وشيدت على هذا الأساس صرحا عقائديا قويا ساهم في تثبيت الاستقرار الديني في منطقة غرب إفريقيا كلها. بالفعل، كانت لدينا منظومة دينية متكاملة واضحة المراجع والمرجعيات: علما وتعلما ومنهجا وقضاء وإفتاء..
اليوم، وقد جرفتنا العولمة إلى شاطئ المجهول و انسلخنا بسرعة هائلة وبسهولة من تاريخنا وموروثنا الديني وبدأنا نراجع ما كان بأيدينا من معتقدات وممارسات ومفاهيم استقرت في ذِهن وسلوك العامة حينًا من الدهر وآمنت بها أساسًا من الدين، بِمَ نضمن الأمن على ديننا؟ و علامَ يستقر حالنا؟ أي مذهب وأي مرجعية؟ دعوني – أنا الشخص البسيط، التلميذ، المقلد، التابع – أعبر عن قلقي العميق و مخافتي إزاء الوضع. لقد اختلط الحابل بالنابل في ساحة المذاهب والعقائد والفتاوى إلى درجة أن الصلاة صارت تختلف من مسجد إلى آخر، والأحكام تختلف من مفتي إلى آخر، والمرجعيات تختلف باختلاف الآراء والأهواء.. وفي النهاية: اضطراب كبير وفوضى..
مشكلتي هنا ليست مع الاختلاف في وجهات النظر والمناقشات والمساجلات. أدري أن لا أحد معصوم وأن الخطأ والعلم ليسا نقيضين لا يلتقيان، بل هما وصفان غيران يجتمعان. وأدري أن مناقشة العلماء لا تستلزم المساواة في الفضيلة والرتبة والعمر .. الحكمة تؤخذ من غير حكيم. وتؤخذ من الشاب بقدر ما تؤخذ من الشيخ. ومن شأن هذه الأمة منذ القدم رد التلامذة على الأساتذة والبنين على الآباء و المفضول على الفاضل. ولا أحد يعتبر ذلك مشكلة.. وقد عاشت بلادنا هذه مساجلات علمية على مدى تاريخها كلما استجدت نازلة أو إشكالية تستوجب التمعن و التدقيق. وليس أقلها حدة و غموضا – على سبيل المثال، لا الحصر – نازلة الغزو الفرنسي وتباين المواقف بين دعاة المقاومة ودعاة المهادنة.. معناه أن لا مشكلة عندي في النقاش والرد بين العلماء.
المشكلة تبدأ عندما تغيب بَوصلة النقاش وضوابط الاختلاف وأدب المساجلة وحسن المعاشرة وتأصيل الحجة فيتحول الأمر إلى ما يشبه العقوق والشحناء و شق العصى وطمس الرمزية وتمييع المعرفة والمساواة المستحيلة بين “الذين يعلمون والذين لا يعلمون”.. ونبقى نحن البسطاء عالقين، حائرين.. أعتقد – والله أعلم – أننا بحاجة إلى تفعيل دور مؤسسات الدولة أكثر، بحاجة إلى الوزارة وإلى المجلس الأعلى للفتوى لتأطير النقاشات العلمية وتوجيه البوصلة وإنارة الدروب وتحصين الناس وضبط الأمور وإصدار الفتاوى.. وهم أهل لذلك. أنصح نفسي و الجميع بالاستماع إلى هذه المؤسسات المخولة و عض النواجذ على ما يجمعنا وعلى المشترك بيننا حتى لا تتفرع بنا السبل.. لا قدر الله.