التنمية الحيوانية..كيف نضمن هذه المرة عدم تكرار الأخطاء نفسها ؟/ الهببة سيد الخير
تملك موريتانيا ميزة نسبية في الإنتاج الحيواني، وقد ظلت لفترة ضمن الدول التي تملك أعلي نسب امتلاك للفرد من الماشية علي مستوي العالم، وبعد عقود من جهود تطوير القطاع لا زالت البلاد تتربع علي عرش استيراد منتجات الالبان الا انها مع ذلك تعد من اكبر مستوردي الالبان نسبة الي عدد سكانها، كما انها عاجزة تماما عن تثمين بقية المشتقات الأخرى.
لا شك ان تنمية القطاع تدخل في أولويات صُناع القرار، نظرا لانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية، وتجلي ذلك في التحولات المؤسسية، والاعلان مؤخرا عن انشاء مؤسسات هيكلة يراد لها ان تكون قاطرة القطاع صوب الاكتفاء الذاتي ودمجه في الدورة الاقتصادية عن طريق تثمين فعال لمنتجاته.
ان التنمية الاقتصادية في بلادنا، لا يمكن ان تتحقق دون الاهتمام والعناية بهذا القطاع، هذا ما يقوله التاريخ وتنبئنا به الجغرافيا وتؤكده السوسيولوجيا وتنطق به الأرقام، ولا شك ان السلطات العمومية اليوم تعي كل هذه الحقائق، لكن هل ستستطيع تحيق ما عجزت عنه محاولات اخري سابقة؟
خلال العقد الماضي تم انشاء وزارة وصية مستقلة تعني بالقطاع في مستهل عهدة انتخابية، وفي ظل ازدهار مماثل للحوض المنجمي ،وقد تم إطلاق مشاريع هيكلية ،كمصنع البان النعمة ومشروع التحسين الوراثي، وبرنامج التدخل السريع، وإنتاج الاعلاف في نبيكة لحواش، وتم رصد مئات ملايين الدولارات لتلك المشاريع ،واعتقد ان من يريد تطوير القطاع اليوم يحتاج لتقييم تلك التجربة لتعزيز المكتسبات وتجنب الوقوع في نفس الأخطاء.
لقد حذرت في مقالات سابق منشورة وفي الوقت الحقيقي، مما بدا لي كأخطاء جسيمة ستقع لا محالة، وسينجم عنها هدر للموارد العمومية في مشاريع مرتجلة تفتقر لكل فرص النجاح، وتملك كل أسباب الفشل، واليوم وبعد سنوات من بدء تلك المشاريع اعترف بفشلي الذريع في توقع مآلات الأمور، صحيح أنى كنت اعرف ان المشاريع ستفشل لكني لم أتوقع انها ستصبح كالجرح النازف وستبتلع ميزانيات قطاعية لسنوات، بل ستوجه مشاريع تنموية اخري اليها لتلقي نفس المصير.
نجحت تلك المشاريع في امر واحد وهو تحيق ارقام قياسية عالمية حسب اعتقادي، فكلفة انتاج لتر من الحلب في مصنع البان النعمة هي الأعلى عالميا، فبناء المصنع كلف ستة عشر مليون دولار بالإضافة للميزانية المرصودة وتكاليف تدخل المشاريع الأخرى، بينما لم يستطع المصنع انتاج ثلث طاقته الانتاجية في أفضل المواسم، كما ان تكلفة تلقيح بقرة واحدة اليوم تتجاوز عشرة اضعاف سعرها مع ان النتائج المتحصل هزيلة وترقي للجهد العبثي اما كلفة انتاج كيلوغرام من العلف في انبيكة لحواش فستحطم كل ارقام المستقبل.
دروس وعبر لتجنب تكرار نفس الأخطاء
بالرغم من عدم وجود إحصاءات موثوقة الا انه يمكن الاستئناس بالأرقام التالية:
يقدر انتاج مراعينا الطبيعية ب3.9 مليار وحدة علفية يصلح منها للاستغلال 1.7 مليار فقط وتقدر قيمتها الاقتصادية ب 30 مليار اوقية جديدة، بينما لا تقدر قيمتها البيئية بثمن ،اما انتاجنا من الاعلاف المزروعة بما في ذلك مخلفات المحاصيل الغير علفية فتقدر 3 بالمائة فقط من المراعي الطبيعية القابلة للاستغلال، وبالمقابل تقدر قطعاننا بأربعة ملايين وحدة حيوان مدارية، و تحتاج الي 2.4 مليار وحدة علفية ، مما يعني ان هنالك عجزا متوسطا فيي الميزان الرعوي يقدر ب600 مليون وحدة علفية سنويا، يتضح من خلال الأرقام السابقة ان تقليص فجوة العجز يكون بتطوير زراعة الاعلاف وزيادة نسبة استغلال المراعي بحفظها وتسهيل الولوج اليها وذلك بحفر الابار الرعوية .
تشجيع إقامة حوض لزراعة الاعلاف خصوصا في فم لكليتة
تشجيع إقامة وحدات لكبس ونقل الاعلاف لتقليل كلفة نقلها
البدء بانتخاب سلالتنا المحلية بحيث نستخدم الحيوانات ذات الإنتاج ألأعظمي للتهجين مع السلالات الأجنبية ومراجعة برنامج التحسين الوراثي
تخلي الدولة الكامل عن إدارة العملية الإنتاجية او على الأقل الاكتفاء بالشراكة مع القطاع الخاص الوطني او الاجنبي
تشجيع منتجي الالبان المحليين وتحمل نسبة من تكلفة انتاج أي لتبر لبن محلي مصنع
بيع مصنع البان النعمة للقطاع الخاص او الدخول في شراكة
فرض ضريبة التدهور البيئي على قطعان الابقار والاغنام لكبار المُلاك، مما سيسمح بتقليل الحمولة الرعوية وتحسين جودة المراعي، وعودة الغطاء النباتي، الأمر الذي سينعكس إيجابا على بيئتنا، كما ستنتفي الحاجة إلى برامج التدخل وهدر المال العام؛
توفير الحوافز لكبار الملاك للتحول لنظام التربية التكثيفي والمعتمد على زراعة الأعلاف، مما سيشجع إدخال السلالات الحديثة وزيادة فرصة تثمين الألبان، وغربلة القطاع وضبطه ليتحول من قطاع للتهرب الضريبي وغسيل الأموال إلى قطاع منتج ورافعة حقيقية للنمو.
وضع المحفزات الضرورية واجراء دراسات الجدوى الاقتصادية والإنتاجية، لان العديد من المنميين الحقيقين مستعدون وجاهزون للاستثمار
التوقف الفوري عن برامج التدخل السريع والبحث عن بدائل أكثر نجاعة
إطلاق برنامج لتوفير الاملاح والفيتامينات وتعزيز نظافة الحيوان لتقليل اللجوء للأدوية
تشجيع إقامة مصانع لتثمين كافة المنتجات
من الغريب حقا ان نعتقد ان القطاع سيتطور في حين نكرر نفس الأخطاء، ونتبع نفس الأساليب والمقاربات، ونعتمد علي نفس المخططين الهواة.
المهندس: الهببة سيد الخير