المتصوفة هم الدعاة إلى الله حقا/ محمد عبد الرحمن ولد عبدي
قيل: الحسن هو إمامنا في هذا العلم، الذي نتكلم فيه، أثره نقفو، وسبيله نقتفي ومن مشكاته نستضيء، أخذنا ذلك بإذن الله، وإمامنا عن إمام، إلى أن ينتهي ذلك إليه. وقد لقي سبعين بدريا، ورأى ثلاثمائة صحابي. ورأى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب الخ. وذكر قبل أن علي بن أبي طالب انتهى في مسجد البصرة إلى حلقة الحسن البصري، وهو يتكلم في هذا العلم، فاستمع إليه ثم انصرف ولم يخرجه . وبذلك تعلم كذب من زعم أن سيدنا عليا أخرجه من المسجد، ونهاه عن التكلم.قال العلامة الحافظ المحدث عبد الله الغماري في الإعلام بأن التصوف من شريعة الإسلام(لإعلام بأن التصوف من شريعة الإسلام مرجع سابق ص5-8) :
التصوف كبير قدره جليل خطره عظيم وقعه عميق نفعه أنواره لامعة وأثماره يانعة واديه قريع خصيب وناديه يندو لقاصديه من كل خير بنصيب يزكي النفس من الدنس ويطهر الأنفاس من الأرجاس ويرقى الأرواح إلى مراقي الفلاح، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن. ونقل عن أبيه الشيخ أبي عبد الله الغماري جوابه في التصوف فقال: قد بين القرآن العظيم من أحوال التصوف والطريقة ما فيه الكفاية فتكلم على المراقبة والتوكل والرضى والتسليم والزهد والتوبة والإنابة والذكر والفكر والمحبة والشكر والصبر واليقين والإيثار والصدق والمجاهدة ومخالفة النفس والهوى وتكلم على النفس اللوامة والأمارة والمطمئنة (والراضية والمرضية)وعلى الأولياء والصالحين والصديقين والمؤيدين وغير هذا مما تكلم وعني به أهل التصوف والطريقة رضي الله عنهم، قال رحمه الله تعالى والطريقة من الدين، بل هي أشرف أركانه، وكانت بوحي وكان الصحابة بالحالة التي بلغتنا عنهم تواترا من المسارعة لامتثال أمر الله تعالى وكانوا بالضرورة أول داخل فيها وعامل بمقتضاها، وذائق لأسرارها وثمراتها، ولذا كانوا على غاية ما يكون من الزهد في الدنيا والمجاهدة لأنفسهم، ومحبة الله ورسوله والدار الآخرة والصبر والإيثار والرضى والتسليم وغير ذلك من الأخلاق التي يحبها الله ورسوله، وتوصل إلى قربهما، وهي المعبر عنها بالتصوف والطريقة وكان أتباعهم تبعا لهم على هذه الطريقة الشريفة وإن كان الأتباع دونهم فيها وكذلك كان أتباع التابعين وهلم جرا إلى أن ظهرت البدع وتأخرت الأعمال وتنافس الناس في الدنيا وحييت النفوس بعد موتها فتأخرت بذلك أنوار القلوب ووقع ما وقع في الدين، وكادت الحقيقة تنقلب وكان ذلك في أواخر المائة الأولى من الهجرة ولم يزل ذلك يزيد إلى أن وصل إلى حالة تخوف منها السلف الصالح على الدين. فانتدب عند ذاك العلماء لحفظ الدين الشريف، فقامت طائفة لحفظ مقام الإسلام وضبط فروعه وقواعده وقامت طائفة بحفظ مقام الإيمان وضبط أصوله وقواعده على ما كان عليه السلف الصالح وقامت طائفة بضبط مقام الإحسان وضبط أعماله وأحواله؛ فمن الطائفة الأولى الأئمة الأربعة، ومن الطائفة الثانية الإمام الأشعري وأشياخه وأصحابه، وكان من الطائفة الثالثة الجنيد وأشياخه وأصحابه، ولذلك نسب الفقه للأئمة الأربعة ونسبت العقائد للإمام الأشعري ونسب التصوف للجنيد ولم يكن المؤسس له. مع أن الجميع بوحي من الله تعالى. انتهى. وأهل التصوف الدعاة إلى الله تعالى حقا لا لأنفسهم كما تفعل اليوم الطوائف والأحزاب السياسية مثل الوهابية وتفريعاتها الذين يدعون لأنفسهم من أجل المناصب والحظوظ الدنيوية ويستغلون الدين تغريرا بالعامة. وأما ملازمة المتصوفة الأوراد والعبادة فلقوله تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) وفى للحديث الصحيح المتقدم الذي أخرج البخاري عن أبى هريرة(أخرجه البخاري في صحيحه (5/2384 ، رقم 6137): “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه “
قال العلامة المتقدم عبد الله الغماري في هذا الحديث: بيان مبدأ طريق الصوفية ونهايته ذلك أنهم يبدؤون بالمجاهدة ولا يزالون يجاهدون أنفسهم ويجتهدون في تطهير قلوبهم من كل يباعد عن الله تعالى وتربيتها بكل ما يقرب إليه جل وعلى من الأقوال والأعمال والأحوال ولزوم الإقبال عليه ودوام المثول بين يديه في كل وقت وعلى كل حال بحسب الإمكان حتى يصلوا إلى مقام الفناء فمن وصل إلى هذا المقام كان محبوبا ملحوظا ومربوبا محفوظا فني عن نفسه وبقي بربه فكان الله ولي أمره وحافظ سره أي متولي شؤونه. ومداومة أورادهم من الصلاة والصيام والتلاوة والأذكار وسائر الطاعات والعبادات من أجل ذلك ومن أجل ما ورد في صحيح مسلم (صحيح مسلم 1/541/ رقم الحديث782) عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله؟ قال: “أدومه وإن قل”. قال ابن عجيبة في إيقاظ الهمم(ابن عجيبة إيقاظ الهمم شرح متن الحكم ص125) الورد في اللغة هو الشرب قال تعالى:(بئس الورد المورود)، وفي الاصطلاح ما يرتبه العبد على نفسه أو الشيخ على تلميذه من الأذكار والعبادات، والوارد في اللغة هو الطارق والقادم يقال ورد علينا فلان أي قدم، وفي الاصطلاح ما يتحفه الحق تعالى قلوب أوليائه من النفحات الألهية فيكسبه قوة. وفي اللسان لابن منظور الأوراد جمع ورد بالكسر وهو الجزء، يقال قرأت وردي، ويقال لفلان كل ليلة ورد من القرآن يقرؤه أي مقدار معلوم إما سبع أو نصف السبع أو ما أشبه ذلك يقال قرأ ورده وحزبه بمعنى واحد والورد الجزء من الليل يكون على الرجل يصليه.