الحلقة الثامنة في الرد عن المتصوفة: الذكر أفضل الأعمال / محمد عبد الرحمن عبدي
الذكر أفضل الأعمال وهو يُثمر أحوالاً شريفة، ومقامات عالية منيفة، وعلوماً لطيفة، ويحيي عوالم طالما كانت قَبْلُ مواتاً، ويُلبِسُ النفسَ وجنودَها ذلة وسُبَاتاً، ونظيره إذا وصل للقلب: كدخول الماء في الأسراب، فإنه يُخرج ما فيها من الحشرات والدواب، فكذلك الذكر، إذا صدم القلب، ودخل سُويداءه ، فإنه يُخلصه مِن مساكنة صلصال النفس، ويُزيل عن ناظره الغشاوة واللبس، ولهذا كان أفضل الأعمال، وأزكى الأحوال، وفُضّل على جهاد السيف والقتال. ولأرباب الذوق أرباب القلوب من الصدقين من عباد الله المقربين عبارات رائعة ذاق أصحابها فرقت ودقت فكشفت عن معاني وأسرار ذكر الله لعبده وذكر العبد لربه وإن اختلفت في ألفاظها اتحدت في معانيها، وهي مما نطق به العالمون بالله كما في الحديث المتقدم فأنكرها أهل الغرة بالله كالوهابية “إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله” من هذه العبارات قولهم: أذكروني بطاعتي أذكركم بثوابي وإحساني، أذكروني بالمجاهدة أذكركم بالهداية، أذكروني بالدعاء والضراعة أذكركم بالإحسان والإجابة، أذكروني باللسان أذكركم بالمغفرة من العصيان، أذكروني بالصدق والإخلاص أذكركم بالاختصاص، أذكروني بالحب أذكركم بالدنو والقرب، أذكروني بالمسرات أذكركم بإجراء العطيات، أذكروني بالقلوب أذكركم بغفران الذنوب، أذكروني بالسجود أذكركم بالجود، أذكروني بالأسحار أذكركم بغرس الأشجار، أذكروني في الأيام القلائل أذكركم بلبس الحلائل والغلائل، أذكروني بالشهود أذكركم بالنعمة والجود، أذكروني بالتحليات أذكركم برفع الدرجات، اذكروني في الدنيا أذكركم في العقبى، اذكروني بالطاعات أذكركم بالمعافاة، اذكروني في الخلاء والملأ أذكركم في أفضل الملأ، اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء، اذكروني بالتسليم والرضا أذكركم بحسن التدبير ولطف القضاء، اذكروني بالشوق والمحبة أذكركم بالوصال والقربة، اذكروني بالتوبة أذكركم بغفران الحوبة، اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء، اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال، إلى غير ذلك مما لا ينحصر.
ومن أراد الإحاطة بعباراتهم هنالك فليراجع كتابي الشيخ مجدد الدين أبي زين العابدين الكنتي” كشف اللبس فيما بين الروح والنفس والكوكب الوقاد”، وقالوا في هذه الآية الكريمة لطيفة ذوقية وهي أن الله تعالى رتب فيها ذكره لعباده على ذكرهم له، وهو يفيد ذكرا خاصا لا مطلق الذكر الذي عمم على عباده كافتهم وإن لم يذكروه ونعمه التي أسبغ عليهم آمنوا أو كفروا، ولما ذكر الله تعالى مقام المحبة في قوله تعالى(يا أيها الذين ءامنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) كانت محبته لأهل القرب قبل محبتهم له، وجعل محبته لهم وسيلة إلى محبتهم له فبها انجذبوا إلى رحاب شهوده فتولهوا بحبه. وحضهم على الإكثار من ذكره فقال جل جلاله:(ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا)ا ونبههم إلى الأجر والثواب العظيم الذي أعد للذاكرين الله كثيرا والذاكرات فقال تعالى:(والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا) وقال جل من قائل:(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
قال الشيخ الجزولي معلقا على حديث معاذ(أخرجه ابن أبى شيبة (6/57، رقم 29452)) ، وأحمد (5/239 ، رقم 22132) قال الهيثمى (10/73: رجاله رجال الصحيح إلا أن زياد بن أبى زياد مولى) ابن عياش لم يدرك معاذًا . والطبرانى (20/166، رقم 352)) :”ما عمل آدمى عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله” لأن الإنسان إذا أكثر من ذكر الله تعالى تجدد خشوعه وتقوى إيمانه وازداد يقينه وبعدت الغفلة عن قلبه وكان إلى التقوى أقرب وعن المعاصي أبعد، وقد ذكر الله تعالى حكم الذكر وفضله وكيفيته وصفته وفائدته وعقوبة من أعرض عنه فأما حكمه وفضله فقال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً)(والذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، وقال:(فاذكروني أذكركم)، وقال:(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) إلى غير ذلك من الآيات وأما كفيته فقال تعالى:(الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً) وأما صفته فقال تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله كذكركم آباءكم)، وذكر القلب يكون بالتعظيم وكذلك ذكر الله تعالى.وأما فائدته فقال الله تعالى:(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)، وقال:(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وأما عقوبة من أعرض عنه فقال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً)، وقال:(ومن يعش عن ذكر الرحمن) الآية، ومعنى يعش يغفل ومعنى الآية ومن غفل عن ذكر الله يسر الله له شيطاناً يكون له قريناً عقوبة له على الغفلة عن الذكر، ثم قال الإمام الجزولي أيضاً، وما قال معاذ رضي الله عنه إنما أراد به الذكر بالقلب هو إحضار الإنسان قلبه والخوف والخشوع وتصور اطلاع ربه عليه في سره وعلانيته وعلم جميع أحواله ومتصرفاته وأنه لا تخفى عليه خافية ولا يستر عنه مستور..