الحلقة: 16السلوك على أيدي مشائخ التربية/ محمد عبد الرحمن عبدي
فضل اسم الله الأعظم وتلاوة القرآن والباقيات الصالحات لا تحصى وبذلك عملت واجتهدت فلهجت طائفة المتصوفة. ففي الحديث الصحيح لدى البخاري ومسلم أحمد وابن أبى شيبة والترمذى وابن ماجه وابن حبان عن أبى هريرة(البخاري (5/2352 ، رقم 6043) وبهذا الحديث ختم البخاري صحيحه ، ومسلم (4/2072 ، رقم 2694) ، وأخرجه أحمد (2/232 ، رقم 7167) ، وابن أبى شيبة (7/167 ، رقم 35026) ، والترمذي (5/512 ، رقم 3467) ، وقال : حسن غريب صحيح . وابن ماجه (2/1251 ، رقم 3806) ، وابن حبان (3/112 ، رقم 831)) “كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم”وهو الحديث الذي ختم البخارى به صحيحه. والمقامات والأحوال التي تكلم فيها المتصوفة كلها واردة في الكتاب أو السنة بالعبارة الصريحة أو الإشارة الواضحة، إنما تخلق أهل الصوفية بأخلاق الصحابة عامة وخاصة أهل الصفة واقتدوا بهم حذو النعل بالنعل وكذلك بالتابعين وتابعيهم وهلم جرا. أما تعلق المتصوفة بمشائخهم وصحبتهم والتسليم لهم، وخدمتهم والسلوك وتهذيب الأنفس على أيديهم فقد شفوا فيه الغليل في كتبهم وبينوا مستنده وأصلوا مدركه انظر الدر الثمين لمحمد بن أحمد ميارة عند قول ابن عاشر:
يصحب شيخا عارف المسالك *** يقيه في طريقه المهالك
يذكره الله إذا رآه *** ويوصل العبد إلى مولاه
يحاسب النفس على الأنفاس *** ويزن الخاطر بالقسطاس
يحفظ المفروض رأس المال *** والتنفل ربحه به يوالي
ويكثر الذكر يصفو به *** والعون في جميع ذا بر به
يجاهد النفس لرب العالمين *** ويتحلى بمقامات اليقين
يصير عند ذلك عارفا به *** حرا وغيره خلا من قلبه
فحبه الإله واصطفاه *** لحضرة القدوس واجتباه.
أما صحبة الشيخ العارف بالمسالك جمع مسلك موضع السلوك يعني الطريق الموصلة إلى الله تعالى الذي يقي صاحبه المهالك ويذكره الله إذا رآه ويوصله إلى مولاه، فقال الشيخ الإمام العارف الولي سيدي أبو عبد الله بن عباد أثناء شرحه لقوله السيد العارف ابن عطاء الله لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين ما نصه:
ولا بد للمريد في هذه الطريق من صحبة شيخ محقق مرشد قد فرغ من تأديب نفسه وتخلص من هواه فليسلم نفسه إليه وليلتزم طاعته والانقياد إليه في كل ما يشير به عليه من غير ارتياء ولا تأويل ولا تردد، فقد قالوا من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه، وقال أبو علي الثقفي رضي الله عنه لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ومن لم يأخذ أدبه من آمر له أو ناه يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المقامات، وقال سيدي أبو مدين رضي الله عنه من لم يأخذ الأدب من المتأدبين أفسد من يتبعه، قال ابن عطاء الله رحمه الله في لطائف المنن إنما قد يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه فطوى عنك شهود بشريته في وجوه خصوصيته فألقيت إليه القياد فسلك بك سبيل الرشاد يعرفك برعونات نفسك في كمائنها ودفائنها ويدلك على الجمع على الله ويعلمك الفرار عما سوى الله ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى أن يوفقك على إساءة نفسك ويعرفك بإحسان الله إليك فيفيدك معرفة إساءة نفسك الهرب منها وعدم الركون إليها ويفيدك العلم باحسان الله إليك الاقبال عليه والقيام بالشكر إليه والدوام على ممر الساعات بين يديه، قال فإن قلت فأين من هذا وصفه لقد دللني على غرب من عنقاء مغرب، فاعلم أنه لا يعوزك وجدان الدالين وإنما قد يعوزك وجود الصدق في طلبهم “جد صدقاً تجد مرشداً” ونجد ذلك في آيتين من كتاب الله تعالى قال الله سبحانه:(أمن يجيب المضطر إذا دعاه) وقال سبحانه:(فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم) فلو اضطررت إلى من يوصلك إلى الله اضطرار الظمآن إلى الماء والخائف إلى الأمن لوجدت ذلك أقرب إليك من وجود طلبك ولو اضطررت إلى الله اضطرار الأم لولدها إذا فقدته لوجدت الحق منك قريباً ولكمجيباً ولوجدت الوصول غير متعذر عليك ولتوجه الحق بتيسير ذلك عليك اهـ. وفي كلامه رحمه الله تعالى تنبيه على أن الشيخ من منح الله وهداياه للعبد المريد إذا صدق في إرادته وبذل في مناصحة مولاه جهد استطاعته لا على ما يتوهمه من لا علم عنده وعند ذلك يوفقه الله لاستعمال الآداب معه لما أرشده على مرتبته ورفيع درجته. قال سيدي أبو مدين رضي الله عنه الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم وسرك بالتعظيم، الشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه، الشيخ من جمعك في حضوره وحفظك في مغيبه. قال في لطائف المنن: وليس شيخك من سمعت منه، إنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك عبارته إنما شيخك الذي سرت فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب، وليس شيخك من واجهك مقاله، إنما شيخك الذي نهض بك حاله،وهو الذي أخرجك من سجن الهوى ودخل بك على المولى، شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك حتى تجلت فيه أنوار ربك نهض بك إلى الله ونهضت إليه وسار بك حتى وصلت إليه ولا زال محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه فزج بك في نور الحضرة وقال ها أنت وربك اهـ. وآداب المريد مع الشيخ والشيخ مع المريد كثيرة مذكورة في كتب أئمة الصوفية رضي الله عنهم ومن أبلغ ذلك وأوجزه ما ذكره الإمام أبو القاسم القشيري(وغيره)اهـ من الدر الثمين لمحمد بن أحمد ميارة الفاسي.قال أبو زين العابدين الكنتي في الكوكب الوقاد: سبيل مشائخ الأوراد سبيل الصحابة لأنهم وارثوهم والآخذون عنهم والمقتفون آثارهم المهتدون بهديهم، وليس هم إلا مشائخ هذه الأمة المربون النجباء المنتجبون العلماء العاملون النقباء الناصحون الذين نظر الله إليهم بعين رحمته وأتحفهم بكرامته ومتعهم بقربه وأغرقهم في بحار محبته وأدهشهم بتجليات جلالاته ومتعهم بمشاهداته فهم في بحارغيوبه تائهون وفي أنوار قدسه خائضون طويت لهم مسافة الدنيا حتى شاهدوا العقبى وزويت عنهم فتن الدنيا حتى فازوا بالرغبى فهم الأولياء وورثة الأنبياء رضوان الله عليهم.