الحلقة 19 … تكفير ابن تيمية للشاذلي وطائفته/ محمد عبد الرحمن عبدي
ولم أرد في هذه الحلقات الرد عليهم في بغضهم وتشنيعهم على المتصوفة فشريعة الله ترد عليهم بقدر ما هو تبين لرأيهم فيهم وتضليلهم لهم بل تكفيرهم إياهم الكفر البواح كيلا يغتر من يجهل ذلك من متصوفة مغربنا الذين هم على صلة ومودة وصداقة للوهابية اليوم، ولعل ذلك لمصلحة آنية. زرت مع وزير العدل محمد الأمين السالم ولد الداه حفظه الله تعالى الرياض 1997 بدعوة من نظيره وزير العدل عبد الله بن إبراهيم آل الشيخ، هو الآن رئيس مجلس الشورى هناك، خلال مؤدبة العشاء حدثنا عن سعة حفظ الشناقطة عن طالب موريتاني يتردد عليه، يحفظ له فتاوى ابن تيمية عن ظهر قلب، إن كان الذي أعرفه، فقد أخذ العلم عن جده من أمه وعن خاله، وهما شاذليان، الشاذلي وطائفته يكفرهما ابن تيمية الكفر البواح ..
والفتى يحفظ كتبه يتلوها قريانا لآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب. بل إن كل فروع القادرية في بلادنا تنتسب وتمر جميعها بأبي الحسن الشاذلي كنتية كانت؛ أم فاضلية، أما الناصرية التي ينتمي إليها شيوخ الفتى فإليه تنتسب فمن كفرها كفرهم.
سخر ابن تيمية من الشاذلي ومن أحزابه، واستهزأ به، وأكثر الوقوع فيه، وفي طائفته نسبهم إلى مذاهب الفلسفة والدهرية الكفار. انظر(الرد على الشاذلي في حزبيه، وما صنفه في آداب الطريق)، يقول ابن تيمية في هذا الكتاب:”صاحب الحزب وأمثاله من المتأخرين ينظرون في كتب الصوفية التي فيها ما هو مبني على أصول الفلاسفة المخالفة لدين المسلمين” ومذهبهم مذهب الدهرية” إلى أن يقول في هذا الكتاب(الرد على الشاذلي في حزبيه لابن تيمية39/ط1) : “وأمثال هؤلاء الذين تكلموا في التصوف والحقيقة على قاعدة الفلاسفة لا على أصول المسلمين ولهذا خرجوا بذلك إلى الإلحاد كإلحاد الشيعة الإسماعيلية والقرامطة الباطنية”. قال الشعراني في طبقاته الكبرى(الطبقات الكبرى للشعراني21/4/طبعة 1315) :” فوق ابن تيمية سهمه إليه فرده عليه”.
ومن أجل ذلك أقام أحمد بن محمد بن عبد الكريم ابن عطاء الله الإسكندراني – صاحب الحكم- على ابن تيمية الدعوى فحبس بإجماع القضاة والولاة كما نجد لدى تقي الدين السبكي، وكما يذكر الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة(الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر1/324/1.) . تبع الذهبي شيخه ابن تيمية في قدحه في الشاذلي!. قال عنه في تاريخه الذي يسميه تاريخ الإسلام أبو الحسن الشاذلي: (تاريخ الإسلام للذهبي 48/273-274/2) علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف. أبو الحسن الشاذلي، المغربي، الزاهد، نزيل الإسكندرية، وشيخ الطائفة الشاذلية. وقد انتسب في بعض مؤلفاته في التصوف إلى علي بن أبي طالب، فقال بعد يوسف المذكور: ابن يوشع بن ورد بن بطال بن محمد بن أحمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن علي، رضي الله عنه. وهذا نسب مجهول لا يصح ولا يثبت، وكان الأولى به تركه وترك كثير مما قاله في تواليفه في الحقيقة. وهو رجل كبير القدر، كثير الكلام على المقام. له شعر ونثر فيه متشابهات وعبارات، يتكلف له في الاعتذار عنها. ورأيت شيخنا عماد الدين( يعني ابن كثير)قد فتر عنه في الآخر، وبقي واقفا في هذه العبارات، حائرا في الرجل، لأنه كان قد تصوف على طريقته، وصحب الشيخ نجم الدين الأصبهاني نزيل الحرم، ونجم الدين صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي.
وكان الشاذلي ضريرا، وللخلق فيه اعتقاد كبير.إلخ. وقال عنه في العبر ملخصا لما قال عنه في تاريخ الإسلام(العبر في خبر من غبر الذهبي 3/282/ط1) والشاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية. سكن الإسكندرية وصحبه بها جماعة. وله عبارات في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الاعتذار عنها. من أشد ما وقع فيه هذا الذهبي في تحامله هنا على هذا الشيخ رحمه الله تعالى، قوله في نسبه لا يصح وكان الأولى به تركه. نفي انتساب الشاذلي للجناب الرفيع، نفي النسب كبيرة من عظائم الذنوب فيها الحد من حدود الله القائم الماضي مضي الليل والنهار، وهذا يعضد ما قال التاج السبكي من أن الذهبي لم يمارس علوم الشريعة، وإلا لما صدر عنه مثل هذا في حق هذا العبد الصالح. وكأنه رحمه الله تعالى أحاط بعلوم الأنساب أنساب الأشراف في مشارق الأرض ومغاربها!. لم يبين الذهبي الوجه الذي يرد عليه هذا النسب، وما الذي يأخذه عليه، أ لانتسابه لمحمد بن الحسن السبط؟ . ألم يكن محمد هو الذي يكنى به الحسن السبط رضي الله عنه(مستدرك الحاكم على الصحيحين وعنه سكت الذهبي3/185/1.) أم لجهله لرجال هذه السلسلة، فهو يظن أنه أحاط بمعرفة الرجال في كل العصور!، أ لقلة هذه السلسلة أم لكثرتها؟. بين وفاة الحسن السبط رضي الله عنه وأرضاه ووفاة أبي الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى ست وستمائة سنة، وفيها من هذه السلسلة أربعة عشر رجلا. معدل ثلاث وأربعين سنة للجيل الواحد، أمر معقول، ليس لمؤرخ حصيف أن يرده. قد يكون في سلسلة نسب الشاذلي تجاوز أو تخطي أو بتر لبعض أجداد من هذا النسب الرفيع، وكثيرا ما يقع ذلك في السلاسل الطويلة وفي الأسماء المتكررة. كما للفيرني، بحكم طول الزمان وانقطاعه. انظر الاستقصاء(الاستفصا لأخبار المغرب الأقصى5/2-5/طبعة الدار البيضاء) ، وما كان في سلسلة هذا الشيخ من ذلك قد يحصل من النقلة، لأنه رحمه الله تعالى عاش معظم حياته ضريرا فمن المحتمل جدا تجاوزهؤلاء النقلة أو نسيانهم أو تخطيهم لبعضهم، وللحسن المثنى خاصة لأنه سمي أبيه فبحكم تكرار الاسم قد يظنوه واحدا وهو الحسن المثني بن الحسن السبط، لأن ذراري الحسن المثنى استقرت بالمغرب من حيث أتى الشاذلي.
وقد كان للحسن المثنى ابن يدعى محمد أمه رملة بنت الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة القرشي العدوي سعيد بن عمرو بن نفيل. كما في لباب الأنساب لعلي بن زيد البيهقي(لباب الأنساب لعلي بن زيد البيهقي1/27/ط1) ، كما أن في أولاد الحسن السبط من اسمه عيسى كما يقول الحافظ ابن الجوزي في المنتظم(المنتظم في تاريخ الأمم والملوك17/221/ط1)، وهناك من ينسب أبا الحسن الشاذلي للأدارسة(أعلام الزركل/305/ط15) ، مهما يكن فالإحاطة بأنساب هؤلاء الأشراف وجزم الذهبي على نحو ما أتى تحكم مكشوف وتعصب بارد لابن تيمية في عدائه المستحكم لهذا الشيخ وطائفته وعامة المتصوفة ليس إلا.