الموظف و حرية التعبير!/ عبد القادر ولد محمد
Ça vient d’en haut
كتبت أكثر من مرة على هذه الصفحة عن واجب التحفظ مبينا معناه و مقتضاه و شارحا بالأدلة القاطعة أصوله و تطبيقاته الفقهية في القانون الاداري و موضحا بأنه يجسد في الأصل حياد الإدارة العمومية المراد لها أن تخدم المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية و عن صراعاتهم الاجتماعية كما أن واجب التحفظ يرتبط بالانضابط الإداري و بالالتزام و الجدية و كتمان السر المهني إلى غير ذلك من القيم المعيارية لسلوك الموظف المثالي . و من الطبيعي أن يقود الحديث حول واجب التحفظ إلى ذكر التعارض بينه و بين حرية التعبير التي تعتبر في سجل الحريات العامة بمثابة ام الحريات ..الا ان مجرد ذكر حرية التعبير بالنسبة لوكلاء الإدارة العمومية يثير عادة حفيظة حماة معبد الصمت و اصنام المصالح الضيقة المتحكمين في مفاصل الدولة الاخذين بمذهب هذا مقام السكوت من قال الحق يموت و هم طبعا من الذين لا تروق لهم الجراءة في التعبير عن الآراء و لا تعجبهم الثرثرة و كثرة الكلام . و هم مصدر البلاء و الوباء و الغلاء . .. اما الكتابة التي تعتبر اصل الإدارة.. فكما هو معلوم الإدارة تكون مكتوبة أو لا تكون…. فهي بالنسبة لهؤلاء السم القاتل و يتعين تجنبها مهما امكن في مجال الأمور المهمة كمعرفة ما يلزم قانونيا لاتخاذ القرارات أو السعي الي الاطلاع علي اتجاهات الرأي حول مسألة مطروحة ..إلى غير ذلك من الدراسات التقنية المفيدة بالراي الناصح و المعينة على اتخاذ القرار الصالح و التي تتطلب خبرة في التعبير بالكتابة..لقد ابتلينا يقوم نافذين يريدون منا أن نسى الكتابة و القراءة و الحساب…لذلك افتقدت الإدارة المورتانية مذ عقود عادة الكتابة و الصياغة الجوهرية و صار التحرير الإداري محصورا في شكليات خاوية قد تسند الي اي وكيل لا يملك من الشهادات سوى شهادة الميلاد…و هكذا انتشر الظلم المسكوت عليه في الإدارة و صار يراد للموظف الذي تم تكوينه و اكتتابه او تعيينه لاداء مهمة ادارية ان لا يمارس حقه في التعبير عن الظلم و عن خرق القوانين و النظم الإدارية إلى غير ذلك من الاختلالات البينة التي يعترف الجميع بوجودها… طبقا للقانون الذي يجيز التظلم الطواعي و المقاضاة … كما انتشرت التفاهة في صفوف الموظفين المغلوببن على أمرهم بفعل ترسيخ نفسية المن و الاذاء بدل مبدأ المكافأة و العقوبة ..و لقد تم ذلك بعد ترسيخ حجة ” هذا ات من فوق ” ça vient d’en hautو هي حجة أدت الي ما يعرف شعبيا ” باحدير البوجة “” أو انحطاط الدرجات و التهرب من المسؤوليات في الإدارة العمومية….انها حقيقة الكارثة التي أدت إلى العجز الكبير في أداء الإدارة العمومية و إلى تحطم معنويات العاملين فيها هذه مجرد إشارات ..و من نور الله عقله بالفهم فالاشارة تكفي بخصوص الصعوبات التي يعاني منها الموظف في التعبير عن ما قد يتعرض له داخل إدارته ….و من المهم التذكير بها في سياق الحديث الجاري عن إصلاح الإدارة عبر برامج تكوين الموظفين..عبد القادر ولد محمد