النفخ في الصور/ لا تلمس عجب ذنبي…/ المرتضى محمد أشفاق
كل ما في العالم الثاني مبهم وغامض ومخيف…فلا الراحلون إليه يعودون ليحدثوا الناس بما وجدوا، ولا المنتظرون في محطة البقاء المؤقت يلجون إلى دور الآخرة ليعلموا إلى ماذا صار من رحلوا…ويبقى الإحساس حبيس ما انطبع في ذاكرات الأطفال من أحاديث أهلهم عن الأموات والمقابر، وما يشيع فيها من أساطير، وخوف، وتفسير لا يزيد سامعيه إلا حيرة واضطرابا وخوفا…
طلق الناس على المقبرة لفظ الصالحين تفاؤلا، ودعاء لأمة انقطع سعيها وأفضت إلى ما قدمت، ولم يبق منها إلا هذا اللفظ الذي صار رغم شحنة الدعاء والتفاؤل، والخير، صار لفظا مخوفا تقشعر منه الجلود، ويتنكبه المارون من طريقه…
قال أحمد والحق أن المقبرة مدينة كالمدن، فيها الأحياء الراقية، أحياء المنعمين فيها تفرغ زينه بمساحاتها الخضراء التي لا تذبل، وأنهارها التي لا تنضب، وأنوارها التي لا تنقطع…وفيها أحياء البؤساء، أحياء القيظ والنار، وأحياء الضرب بمقامع الحديد…وبين ذاك وهذا أحياء انتظار تسلخ جلودهم مخالب ألم، وتداوي جراحهم أنامل أمل…
وقال في موقع أصداء المقابر إن عددا من الأموات صرحوا أنهم يتابعون بقلق وحذر شديدين، ما يحدث من تهميش وإقصاء لبعض المقابر الفاعلة في دعم ومباركة ما يقوم به ملك الموت، واستقبال أعداد كبيرة من المبعدين من الحياة، مهما كانت أسباب وفاتهم، وظروف أجسادهم…
وقالت متحدثة باسم حي البغايا في إحدى المقابر إن حيهن يتعرض للاغتصاب من طرف مجموعات نافذة، تتمدد مساحاتها باستمرار وتتوسع على مساحة عمومية فاصلة بين حيهن وحي المُرابِين…
وأكدوا أنهم ينزعجون أحيانا كثيرة من صوت يشبه النفخ في الصور، ويخيل إلى باقي الأموات المنضبطين أن إسرافيل قد التقم القرن، فتتعرق جباههم وجلا، ليظهر أن ما حصل هو ابتعاث مكرر لبعض الأموات المتلبسين بجريمة التهرب من الدفن، والمستفيدين من جرعات تقوية مخصصة أصلا للأحياء، يتلقونها بطريقة غير عادلة تحميهم من التسفير إلى مدائن العالم الآخر..
وقال متحدث باسم حراك إحدى أكبر المقابر وأقدمها عهدا إنهم يطالبون بتساوي الفرص بين جميع الأموات في التعجيل بمواراة الجثامين ونصب اللبن والشاهد الحجري على القبر لتحديد هوية المستوطن الجديد، وإحكام قفل الصندوق أو الحوض الذي يحوي الجثمان حتى لا يتسلل بعض الأموات إلى مدن الأحياء..وجدد المطالبة بتحويل المقبرة القديمة والتي تشهد نموا متزايدا إلى عاصمة للبلاد…
وطالبت حركة”لا تلمس عجب ذنبي” بتعيين ممثلين عنها في بعض المرافق العمومية الأساسية حتى لا تنطمس هوياتهم، وترتفع بركتهم من الأرض…