بدأت المدارس الفكرية الاسلامية تجسيدا للحرية وليس لها أن تتحول إلى قيود / سيدي محمد ولد محم
من المناسب طرح بعض القضايا مطرحها، قبل أن تدخل إلى دائرة المقدس التي تتسع كلما انخفضت نسبة الوعي وساد الجهل في أي مجتمع.
فالاشعرية مذهب كلامي نشأ في مطلع القرن الرابع الهجري، إثر فتنة سياسية حين قبل المعتزلة أن يتحولوا من مدرسة فكرية عقلانية تجادل وتقنع إلى أداة في يد السلطة السياسية تفرض نفسها بالعنف والقوة، فانهارت بذلك أهم مدرسة عقلانية أقامها المسلمون السنة في ذروة ارتقائهم، وانحاز الناس إلى القائلين بحرفية النص ومدارس العوام، وهنا يبرز دور أبي الحسن الأشعري القادم من مدرسة الاعتزال ليقدم منهجا وسيطا قائما على الجمع بين التأويل والتزام حرفية النص، وقد حرص علماء هذا المذهب على البعد به عن الجمود والتكريس، وتجاوزوا إمامهم ولم يتقيدوا بالكثير من آرائه، بل تجاوزوا حتى بعض أساسات مدرستهم، بدءً من الإمام الباقلاني مرورا بالإمام أبي حامد الغزالي وصولاً إلى أشاعرة العصر الحديث، وقد كان الأشاعرة كلما تقدموا في طرحهم كلما اقتربوا من دائرة المنشأ التي هي مدرسة المعتزلة، ومع ذلك فقد ظلت محاولات اختراقهم من طرف القائلين بحرفية النص قائمة على الدوام، وزادت حدتها بفعل امتلاك هؤلاء أخيرا لأموال النفط وسلطته، وحيازتهم على قدرات مالية وإعلامية وتربوية هائلة.
رغم ذلك ظلت مدرسة الأشاعرة صامدة بقدرتها على تطوير ذاتها، إلا أنها لا تدعي لنفسها قداسة ولا تكفر مخالفاً، فهي مجرد خيار فكري وعقدي، كما المذهب المالكي مجرد خيار تشريعي حرص المالكية على تطويره متخلين في ذلك حتى عن الكثير من آراء الإمام مالك وتلامذته، وكما طريقة الجنيد مجرد طريقة من عشرات طرق المسلمين في التصوف والعرفان.
لقد كانت هذه المذاهب والمدارس عند نشأتها تعكس الإسلام فيما قدم من حرية وإبداع للعالم، وليس لها أن تتحول إلى قيد وبؤرة للتكريس والتعصب الأعمى بعد ذلك.
تقبل الله تعالى صيامنا وصيامكم عرض أقل