إسلام في النهار يختلف عنه في الليل / المرتضى محمد أشفاق
وعيت مبكرا أن حياتنا الدينية ليست بخير، وأن إسلامنا الذي نقرؤه ونسمعه شيء، والذي نمارسه شيء آخر، اكتشفت أن لنا إسلاما في النهار يختلف عن إسلامنا في الليل، وأدركت أن إسلامنا في الخلوات بعيد كل البعد من إسلامنا في الجماعات، أحزنني كثيرا هذا الإدراك المبكر لممارسة كثير منا لتمثيلية يسميها الإسلام رياء، يؤديها بطريقة (بافلوفية) كلما دقت أجراس ما يعتبره عادة عبادية وحان وقت الرقص على ذقون العامة، رأيت قيم الإسلام الجميلة قناعا تنكريا يتخذه البعض جواز مرور إلى المناطق الحمراء، به تستباح الحرمات، وبالمكانة الدينية يكتسب الرجل حصانةً لإلف النساء والتمتع بهن متزوجات وغير متزوجات، بإخضاعهن لدعاية وهم الحظوة بنيل شرف الخلوة مع ابن الصالحين، ويتأكل البعض بالدين، وبالرتبة الطبقية، والنقاء المزعوم للعرق …
تعلمت أن الكذب حرام، والسرقة حرام، والزنى حرام، وكل المسلم على المسلم حرام، تعلمت وجوب رد الأمانات، وغض الطرف، وفضيلة التواضع والصدق وخطورة الغلول، قرأت أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، رأيت كل ذلك في أودية الكلام المضروب بينها وبين أودية الأفعال بسور غليظ سميك لا يشقه إلا المهرة في لي أعناق المعارف والأحكام واغتصابها بحقارة على أرصفة الأطماع والنزوات البهيمية الطاغية…
لم أستسغ أبدا الميزان الطبقي الذي ظل مهيمنا ومرجعا يستند إليه عامة أهل هذه الديار وخاصتهم..الإسلام الذي عرفت عنه بالقراءة، لا بالمشاهدة دين حرية ومساواة ورحمة وعدل، دين يقصي التفاضل بغير (إن أكرمكم عند الله أتقاكم )، دين يلغي التراتب الطبقي الظالم، فكيف يستساغ أن تعيش هذه الظاهرة قرونا في مجتمع محافظ، يتلو كتاب الله، ويعلم شرع الله، ويذرف الدموع من خشية الله، ثم يصنف الناس حسب تراتبية طبقية مبنية على أساس التخصص الوظيفي، صناعة وغناء ورعيا وزراعة…
الأقسى من هذا كله هو ممارسة ظلم آخر أشد مرارة من الإقصاء والنظرة الدونية، واستعباد الناس من ولد إسماعيل، بالتغاضي عن ممارسة الرذيلة في وسطهم ابتغاء تنمية رأسمال بشري من الخول والحواشي تتكاثر في فوضى جنسية مقيتة..
خطر آخر لا يقل ألما هو إلصاق تهم خطيرة تعصف بقيمة الإنسان و تسبب له آلاما نفسية تقنعه بالدونية، ولا يجد الضعيف المظلوم بدا من تقبلها وابتلاعها مقهورا ذليلا …
شاعت ظاهرة( السَّلْ) في مجتمعاتنا البدوية، وهي من نباتات صحراء الخرافة والقحط العلمي والانحراف العقدي، ورغم ضعف التفسيرات، وضبابية التبريرات التي يصل إليها المروجون إلا أنها ظلت ظاهرة مقلقة ومخوفة يعيش بها الناس فترات جزع وهلع ليست بعيدة عن خوفهم اليوم من الأوبئة الفتاكة المستعصية على السيطرة و المحاصرة..
لكن المؤلم أن تهمة (السَّلْ) ظلت تلاحق الفئات الضعيفة، التي لا تستطيع دفع الظلم عن نفسها، كيف تتبرأ والخصم هو الحكم، هل رأيتم رجلا من الطبقات العليا في السلم الاجتماعي الجائر (سلالا)؟
لا، لا، السلالون هم أبناء الطبقات المطحونة، والمنكوبة بالإقصاء والتهميش، هم الفئات المنحطة حسب الميزان المتسلط الظالمة قوانينه وأحكامه.. كم دمعت عيناي و أنا أسمع عن مساكين حكم عليهم بقبول التلبس بتلك الدعوى كارهين مجبورين، يعذبون بالهمز واللمز، يسبون ويضربون ويحتقرون، وتدنس سمعتهم ويدانون بالقتل العمد..فكلما صرع اللبن طفلا في فترة الخريف الحارة، أو انتشر وباء وقتل الرجال، ألصقت بهم تهمة إمراض الأطفال وقتل النبلاء،
ثم يحاصرون، و يعزلون إلى أطراف الحي و يؤذون كلما مروا، حتى يجدوا أنفسهم في إقامات جبرية في أطراف الأحياء أو خارجها، أذلة، ضحايا الإدانة الجماعية، وقانون خرافة ما لهم إلى مقاومته سبيل، ولا لهم إلى دفع التهمة عن أنفسهم البريئة يد…
إن الآثار السلبية لتلك الممارسات لن تستأصل بقوانين تجريمية، ولا بمراسيم عقابية، ولن يقضي عليها المتأكلون باسم ضحاياها المتاجرون بهم في أسواق الدعايات المغرضة، المتمولون من ريع إشعال الفتن، بل بعمل اجتماعي، فردي وجماعي، يؤمن به الأفراد أولا، ويمررونه خطابا مرنا، ومحصنا بالدليل الشرعي والحلول الجذرية المقنعة التي تستأصله من الجذور…
الإسلام الصحيح لا ظلم فيه ولا استعباد، ولا علو فيه بالأعراق والأنساب..فلا فضل فيه لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، أبوكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب…ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه..
أما أبواب المسابقة في الحصول على المقاعد الأمامية في الفضل عند الله فمفتوحة للجميع، فلا توجد الذوات القابلة والذوات الرافضة، وليس الدين حكرا على رجل، ولا أسرة، و لا قبيلة، ولا فئة…
وعلى كل إنسان حمل نصيبه من البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علما، وعملا، وسلوكا، ودعوة…