أدعياء الصحافة…/ المرتضى محمد أشفاق
ظلم أن نسمي أدعياء الصحافة، الداخلين فيها عبر أمواج اللعاب المالح بالبشمركه…البشمركه باللغة الكردية: تحدي الموت، كلمة (بيش) تعني أمام، و(مركه) تعني الموت…أي الأحرار الذين يدافعون عن حقوق شعبهم قدما غير مولين ولا هيابين، هذا بغض النظر عن الرأي الرسمي لدولهم…
تحررت منه بسرعة، فأنا أكره العناق، ويزعجني وخز شعر العارضين واللحية لخدي..قال إنه كان أستاذا وأصبح صحفيا، وإنه مر على بعض المكاتب وزوده بعض رؤسائها بمساعدات عينية، وأحيانا بوثائق للوقود يصل بعضها إلى خمسين ألف أوقية..قلت له إن هذه هجرة غير شرعية، فواصل الهبوط حتى انتزع مني وثيقة بألفي أوقية يأخذ قيمتها من تاجري، تاجري شيخ لم تتطور بضاعته مذ عرفته عام نجحت إلى الاعدادية، جُلُّ (مرصنديسه) الإبر، وكَدْحاتْ لبحر، وشِمْلِتْ النوق، واشْبِكْ، وتَقْيَهْ، مع كميات رديئة من زاد الفقراء يبيعها بالسعر المغلظ لحفاري الآبار ومن هم في صفي من المدرسين…
ي مقر ممثلة النساء كنا في ندوة ثقافية، وكنت مع المسؤولة في مكتبها نتحاور في محاور الندوة، دخل علينا شابان قالا إنهما صحفيان، وطلبا من المرأة مبلغا يساعدهما في تزويد سيارتهما بالوقود، فتشت حقيبتها فلم تجد إلا خمسمائة أوقية، واستحيت، لكنهما تعجلا وقال لا باس أعطيناها وشكرا…
جاءني أحد أدعيائها مرتين أيام نشاط تربوي بسيط، صور في أولاهما خيوط العناكب في زاوية أحد الفصول، مع بعض الكتابات التي يسجلها التلاميذ على الجدران، مثل فلان يحب فلانة، وقد تسند الأفعال أحيانا إلى بعض الأساتذة، أرانيها كرهائن يريد أن يحررها بفدية، ولما شجعته على نشرها لأنها فكهة، ألح علي بتزويده بمبلغ زهيد تكرما، ولبخلي في مثل هذه الأمور وقناعتي أنها ابتزاز من عصابات الساقطين، قررت أن أهينه، ولنا في الشغب سلف صالح كلما اربدت المشاعر وصلناه، وبعثنا إليه الثواب..
فأرسلت في الدكاكين، وبائعات التوابل، وتجمخت حاشرين لتفكيك الأوراق النقدية إلى أصغر الوحدات مع ما يتيسر من القطع النقدية المعدنية، لتكون الغنيمة كيومية سائل طواف…
تكاثرت النابتة الغريبة، وتضخمت كورم خبيث يأكل بنهم جسم الأمة الصحفية النبيلة المبنية أصلا على التضحية، والكبرياء، وتحري الحقيقة، والبحث عن صحة الخبر في أشد الأماكن خطورة على حياة الإنسان…
ليس هذا فقط، فالصحفي الحق مدرسة أخلاق، وفكر، ووعي، متقن لعمله، عاشق لمهنته لا يُدخلها الأبواب القصيرة التي تفرض على الداخل الانحناء…الصحافة ثروة وثورة، ونور يكشف للأمة معالم الصراط المستقيم…وهي اليوم بحاجة إلى رش ساحتها بمبيد أصلي للطفيليين..
أدعياء الصحافة حشرات متفاوتة الأحجام، لفظتها سوح الدراسة مبكرا، وولغت في وسخ السياسة، ولبست جلود الذباب..تسللوا من الثقوب الخلفية حين نام الزمن الجميل، وانقلب حابل الأيام على نابلها…
لعابهم يسيل من صوت الذباب
وإن عدا طفل
إلى ظل السحاب
لعابهم يسيل من صمت الهضاب
ومن تموج السراب
ومن تنفس الضباب
لعابهم
سيل إن صاح الغراب
بل قد يسيل مثل بحر هائج
إذا عوت ذئاب
وإن تراشقت كلاب وكلاب