خاطرة…/ المرتضى محمد أشفاق
تظل الخلفية الثقافية، والمرجعية الفكرية ماثلة في الكتابة مهما كان مستوى المتكلم، رغم الانصهار الذي يعرفه المجتمع بصورة عامة بحكم المدينة، والمدنيَّة، والتعايش، والذوبان النسبي للخصوصيات… في هذا الموضوع المتشعب والغامض أحيانا اكتشفت أن ما اطلعت عليه على الأقل من مدونة أدبنا الشعبي(لغن)، تسود فيه أغراض مثل المدح (مع المديح النبوي) والهجاء، والغزل ..
.وبدا لي أن نسبة كبيرة من الغزل ظهرت عموديا، بينما انتشرت الأغراض الأخرى أفقيا، هل هو احتكار أم احتقار؟ أم أن الغزل غرض مدلل، وترف أحاسيس، ينبغي أن يظل في دائرة الاستبداد العاطفي؟ التبراع أدب نسوي جميل ومضغوط، تنفست به المرأة القابعة وراء قضبان الصمت والكبت القسري سرا، حررته خفية، وأرسلته خلسة، يفيض بمشاعرها المتراكمة المحبوسة، في بنية فنية رقيقة، مكتنزة، تسري بسرعة، وتبقى القائلة مجهولة أو معروفة في دائرة ضيقة جدا….بنية التبريعة: سطرها الأول قصير يتناغم وخوف المرأة والْتِفاتها يمينا وشمالا لتطمئن بانعدام الرقيب، وسطرها الثاني طويل لأنه يصور ارتياحها بعد التحقق من الأمان، حتى هذا الفن المتميز والخفيف المشحون بنار العطف ظل بنسبة واسعة يسلك نفس المسار…
قلق فكري قاد إلى إشكال: عشنا قضية المرأة، حريتَها وحقَّها في المساواة، تعلمت وحصدت أعلى وأرقى الشهادات في مختلف فروع المعرفة، وزاحمت الرجل في الوظائف والاستحقاقات والمواقع السياسية، وأظهرت أنها ندٌّ كفاءةً وأمانةً ,,,,لكن المرأة شاعرةً، وكاتبةً ظلت غائبة في عالم العطف، فلماذا لا تعبر عن مشاعرها العاطفية تلك التي لا تحتاج إلى عطف بيان؟
هل أعدمت الحياة الجديدة تلك المشاعر وزرعت في المرأة قلبا من حجر؟ لماذا لا نقرأ اليوم لشاعراتنا قصائد في البوح يخرجن بها من عصر الوصاية الشعرية، ويتحررن من ذكورية الهوية العاطفية؟ متى تبقى المرأة محرومة من جواز سفرها إلى تلك الأرض البكر الجميلة؟ متى نراها فاتحة لا فاتنة في أرض الرجال؟ هل قدر أن تظل في منطقة الصمت العاطفي وفي صدرها ألف جدث لإحساس مزقته المكابح المفاجئة؟!