قراءة في مقال الرئيس جون بايدن “لماذا سأزور السعودية”/ د. عوض سليمية
13 يوليو 2022، 03:35 صباحًا
تحت العنوان أعلاه، نشرت صحيفة The Washington Post مساء السبت الموافق9 يوليو/ تموز مقال رأي للرئيس الامريكي جو بايدن، يستعرض فيه الاسباب الدافعة لزيارته للدولة التي سبق وان وعد بجعلها “منبوذة” وتعهد بأن يجعل أميرها وولي عهدها محمد بن سلمان “يدفع الثمن غالياً” بدعوى انتهاكاته لحقوق الانسان على حد ادعاءاته.
مقال بايدن على صدر الصحيفة، يحتاج الى مزيد من التنقيط على بعض العبارات، وسط ضرورة التذكير بالحكمة القائلة أن “امريكا لا أصدقاء لها دائمين بل مصالح دائمة”، والقناعة القائلة “أينما حلت امريكا حل الدمار والخراب”.
يقول بايدن في مقالته “يتعين علينا الانخراط مباشرة مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى، من أجل ضمان أن تكون الولايات المتحدة ‘قوية وآمنة’. ويتابع “‘بصفتي رئيساً، فإن وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا قوياً وآمناً. علينا مواجهة العدوان الروسي، ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن، للتفوق على الصين، والعمل من أجل مزيد من الاستقرار في مناطق اخرى من العالم.”
في عبارته هذه، يعلن بايدن دون خجل ان على رأس جدول أعماله محاولة توريط المملكة العربية السعودية ومن خلالها دول مجلس التعاون الخليجي للعمل ضد المصالح الروسية أو ما يسميه “العدوان الروسي”، الى جانب العمل ضد مصالح الصين، حتى تستمر بلاده قوية وآمنة، دون مراعاة لمصالح دول وشعوب المنطقة، مع ان كلتا الدولتين (الصين وروسيا) صديقتين مقربتين للعربية السعودية ودول الخليج عموماً، ولم يسجل تاريخهما العسكري او السياسي أي عدوان أو مشاركة في عدوان او تقويض لمصالح الشعوب العربية، وان العلاقات التجارية والاقتصادية تجلب نفعاً متبادلاً لكافة الاطراف، على عكس سياسات الامبريالية الامريكية صاحبة السجل الطويل في تدمير مقدرات الامة وسرقة ثرواتها ومواردها.
يتفاخر بايدن في مقاله، وكأنه رسول سلام عائد الى إحياء “مشروع الشرق الاوسط الجديد” وكأن سياسات اسلافه لم يسبق وأن مزقت هذه البلاد، ولم تتسبب مباشرة بحرق عواصمها بنيران ما اسمته كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون “بالربيع العربي”، أو بالقنابل الامريكية والصواريخ الموجهة، وكأن هذا الوطن العربي لم يفقد من ابنائه الملايين بين قتيل وجريح وغريق ومهاجر…، ولم يعاني من فقدان الامن وتدهور الاقتصاد وانعدام التنمية، بينما بلاده تطفو على بحور من النفط والغاز والثروات، الذي تمت سرقتها وتوجيهها الى بلاد العم سام لينعم ابنائه برغد العيش، ولم يرى عواصمه تغرق في الظلام لتضاء واشنطن وصالات القمار في لاس فيغاس من نفط العرب المسروق.
بايدن، الفاشل في سياساته الداخلية وفق معظم المؤشرات والارقام، يرغب في إضافة رقماً قياسياً جديداً في سلسة اخفاقاته في رسم سياساته الخارجية، والتي كان آخرها فشله في حشد حلفاء من غير دول حلف الناتو (الاعضاء في مجموعة العشرين)، ضد روسيا في القمة التي عقدت مؤخراً في جزيرة بالي الاندونيسية، وظهر وزير خارجية بوتين المخضرم لافروف، كالمايتسرو الذي يحدد الايقاع وينسق اللحن، وسط فرار قادة الغرب (امريكا، كندا وبريطانيا) من الاماكن التي يتواجد فيها، فيما ازدحم جدول اعماله باللقاءات والمقابلات. وفي السياق، سبق لبايدن وان فشل في جمع حلفاء جدد ضد الصين في جولته الاخيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، فبإستثناء كوريا الجنوبية واليابان المحتلتين. كانت مواقف قادة الدول في تلك المنطقة تلاحقه دائماً “لا مصلحة لدولنا في استعداء الصين”.
يتابع بايدن مقاله، “عندما ألتقي بالقادة السعوديين، سيكون هدفي هو تعزيز شراكة استراتيجية للمضي قدما تقوم على المصالح والمسؤوليات المتبادلة، مع التمسك أيضا بالقيم الأمريكية الأساسية”.
ضمن هذا السياق، يعترف بايدن بقدرة قادة المملكة العربية السعودية في التأثير على مواقف اشقائهم قادة مجلس التعاون الخليجي الى جانب دول الاقليم، وان سياساته المعلنه “نبذ المملكة” قد فشلت ووصلت الى طريق مسدود، ولذلك ابع طريق التسول للحصول على مزيد من براميل النفط العربي للاسواق الاوروبية والامريكية والتي باتت متعطشه لمصادر الطاقة بفعل سياساتهم الفاشلة في تركيع روسيا.
تشير كل التقديرات ان احلام بايدن في تعزيز شراكة استراتيجية مع الرياض على حساب علاقاتها الودية مع كل من روسيا والصين، الى جانب الدفع بإتجاه تطبيع العلاقة مع اسرائيل، سيكون مصيرها الفشل، كما أنه لن ينجح في خطته الرامية الى الدفع بالامة العربية ومقدراتها للانخراط في مواجهة شاملة مع ايران بالنيابة عن اسرائيل، وان محاولاته لصناعة حلف عسكري شرق اوسطي على غرار حلف الناتو سيكون مصيرها الفشل، بالنظر لتاريخ أمريكا الاسود في المنطقة، بما فيها سهولة القاء حلفائها من السفينه عندما تشعر انهم باتوا يشكلون عبئ استراتيجي على سياساتها، تنبه قادة دول الخليج وفي مقدمتهم الرياض الى أن الحوار مع طهران دون وسيط أو تدخل امريكي سيفضي الى نتائج افضل في تحقيق مصالح كافة الاطراف، دون الحاجة الى تشكيل احلاف عسكرية موجهة ضد أي طرف.
بايدن، والذي ما فَتِئَ يروج للصيغة الخادعة للقيم الامريكية وحقوق الانسان وضرورة نشرها في العالم، يتناسى ان الدعم اللامحدود القادم من بلاده لدولة الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1948، حول اكثر من 7 مليون من ابناء الشعب الفلسطيني الى لاجئين، لا يسمح لهم بالعودة الى وطنهم، كما افشلت حل الدولتين، وهو الحل الذي اجمعت عليه جميع دول العالم، بانه الحل الامثل لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي. يدعي من جديد في مقاله، أن وجهات نظره حول حماية حقوق الإنسان واضحة وطويلة الأمد، وأن الحريات الأساسية دائماً ما تكون حاضرة على جدول أعماله في زياراته لعواصم العالم، “وأن هذه المواقف ستكون حاضرة معه في إسرائيل والضفة الغربية”- يستخدم مصطلح الضفه الغربية وليس فلسطين ولا حتى الاراضي الفلسطينية المحتلة، ويزعم ان بلاده راعي نزيه لعملية السلام ولحقوق الانسان بما فيها حق تقرير المصير لشعوب الارض.
بإعادة القراءة في مقال بايدن، الذي وعد ناخبيه ذات يوم أن يكون رجل اطفاء للحرائق التي خلفها ترامب، نرى أن واشنطن تعمل بإصرار على مواجهة كل من روسيا والصين، لكنها تجد نفسها كسفينة التايتنك العملاقة ترفض أن تغرق وحدها، بل تحرص على سحب حمولتها بما فيهم الربان الى اعماق المحيطات، ولم ينجو من حطامها أحد باستثناء من غادرها في وقت مبكر على قوارب النجاة وابتعد عنها، وهي تتوارى الى قعر المحيط، ليسدل الستار عن حقبة مظلمة عانت منها البشرية جمعاء من هيمنة امبراطورية قامت وتأسست على جماجم سكان البلاد الاصليين.
باحث في العلاقات الدولية
زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة University Utara Malaysia UUM
مدير برنامج السياسات الامريكية – معهد فلسطين لابحاث الامن القومي