صالون تجميل الرجال والنساء/ المرتضى محمد أشفاق
أحيانا وأنا أقرأ أخبار الموت في هذه الوسائط أتيه في تعداد خصال الميت، وحشر ما حوى كتاب الفيروزآبادي من معاني الثناء والأثر الطيب، وتارة يصيبني الدوار فأتوقف دون الوصول إلى اسمه فأترحم عليه من بعيد .. أما المصيبة الكبرى والأشد إرهاقا للقارئ فسلسلة تمتد كلما خلتها تنتهي من آباء الرجل توصله إلى سيدنا آدم عليه السلام …
أمضي وأنا أتعثر بين همز وصل( ابن) المتراكمة في الطريق، بعضها يشق ثيابي لأنه واقف في مناطق الحظر، وبعضها يسيل دماء ساقي لأنه مضجع في محل القيام.. نمر على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفرح ليقيني أننا لن نتجاوزه، لكن أصحابي يطلقون الحداء لتواصل الإبل السير بالظاعنين إلى والدنا آدم عليه السلام… وقد نتوقف عند بعض أجلاء الصحابة لكنهم يبقون محطات متجاوزه في رحله التيه النسبي تلك…تغوص أرجلنا في صحراء الأنساب الواسعة، يخدعنا الآل، ونكرع في السراب، ونشرب كأس شاي مع موسى وعيسى وهارون، ونستريح ليلة مع أبي الأنبياء، ولا أذكر أننا مررنا بيوسف عليه السلام.. وكأني ببعض عشاق الرحلة الطويلة يفاجَؤون بمن تركوهم من أصحاب الصف السفلي -كما يتوهمون- في أحضان أمنا حواء وأبينا آدم عليهما السلام وهما يشيران إلى المتكبرين هؤلاء إخوتكم عانقوهم واحتضنوهم، واغسلوا عنهم آثار العذرة، فتنقلب الرحلة الشاقة للبحث عن التميز والتعالي إلى خلاف قصدها، فالنسب إلى آدم يقيني، وجامع غير مانع، وما دونه من الأنساب مانع إقصائي لكنه ظني…
لاحظت أيضا أن بعضنا يكتفي من النشر بإظهار صورة يتيمة يتعهد بها متابعيه في الشهر مرة أو مرتين، يستمنح بها القراء ثناء أكثر عباراته (وخيرت..نورت..ما شاء الله ..إطلالة بهيه)، كأنه مخلوق مبارك من عالم النور والبركة، يشفق على الناس كلما اسودت لياليهم، وساطهم الغلاء على البطون، فيظهر لهم، وتتنزل رحمته لتنكشف الغمة، وينفرج الكرب، وتعود العافية والرخاء إلى حياة ولد آدم المساكين، ومازلت لفرط بلادتي لا أفهم معنى نورت، ولا معنى حملة إيقاظ مليار مسلم لصلاة الفجر …قد تكون لبعض الصور قراءة، أو هدف، أو إحالة إلى مكان أو زمان أو حالة، لكن الغالب اليوم هو تداعي البعض إلى نشر الصورة المعزولة عن أي إيحاء نبيل…
ليس من المألوف تغزل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، أما إذا كان الهدف هو استحسان أبناء الجنس الخشن لبنات الجنس الناعم، أو الناعم للخشن فذلكم السقوط، والمجاهرة بالسيئة فحش..على كل حال الحمد لله على الجمال (بِلْفَالْ)، فمن حسناته الغريبة أنه يمنع من إحراج الخيرين ليجودوا بغزل غير طائبة به نفوسهم..رأيت في بيت صديقي مرجلا يبرق كأنه فضة مصفاة، فقال لي إنه مرجلهم القديم، تركوا فيه علفا لعجل مربوط، وبقي عنده يوما كاملا، وما زال العجل يلحسه حتى صار إلى ما صار إليه من صفاء ولمعان، بل أصبح أحسن وأنقى منه يوم اشتروه، مرجل صديقي ريش لكنني اقترحت عليه أن نمكن العجل المربوط من وجوهنا ليلحسها، فقد يكون أنفع لوجوه (تِنْكِرْدَهْ)، وقلت لصاحبي افتح لعجلك صالون تجميل، واكتب عليه صالون تجميل الرجال والنساء، من يدري قد تصيبنا العدوى فنلتحق بركب المتسولين في شوارع الفيس نستجدي بصورنا صدقات الطيبين…