حول “غربلة قطب التحقيق” التي تَجُبُّ ما قبلها!/ محمدٌ ولد إشدو
ويتنقل بنا السيد النقيب من محطة إلى أخرى. كل محطة تَجُبُّ ما قبلها. فاللجنة البرلمانية وتقريرُها يَجُبَّان دستور الجمهورية الإسلامية وقوانينها، وتوجيه الاتهام وأمر الإحالة المبني على “غربلة التحقيق” يَجُبَّان “لجنة التحقيق البرلمانية” ويشكلان “بينة” تقوم مقام البينة المفقودة!
فما هو إذن كنه “غربلة قطب التحقيق” التي أسس عليها – دون غيرها- قرار الإحالة، وما هي حقيقة عمل ذلك الفريق “القطب”؟
تَشَكَّل فريق التحقيق (وهذا هو اسمه الصحيح) الذي تم انتقاؤه عن وعي و”تَبَصُّر” من طرف المجلس الأعلى للقضاء السابق على إحالة ملف بهذا الحجم وهذه الأهمية إلى القضاء، من ثلاثة قضاة شباب مغمورين جدا، وينتمون إلى ولايتي الحوض والعصابة!
وقد تميز أداؤه بميزتين أساسيتين:
الأولى، أنه عمل خارج القانون المنشئ والمنظم له. وهو المرسوم رقم 017/017! فجاء عمله في هذا الملف وغيره باطلا بطلانا مطلقا. فشرط النهايات تصحيح البدايات!
والثانية أن عمل “التحقيق” الذي قام به جرى خارج نصوص دستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث جاءت جميع الأوامر الصادرة عنه في هذا الملف (أزيد من 40 أمرا) مخالفة لصريح القانون ومطابقة لطلبات النيابة العامة المخالفة للقانون!
وعلى الرغم مما عليه الإجماع من أن القاضي خليفة الله في أرضه، وأنه ليس مشرعا ولا طرفا ولا باغيا؛ بل الفم الذي ينطق بالقانون، ويشترط فيه وجوبا العلم والورع، وهو محمي عندنا بنص المادة 90 من الدستور وتقول: “لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه”. فقد جاءت “غربلة” فريق التحقيق التي يشيد بها ويتوكأ عليها “دفاع الدولة” كالآتي:
– تنص المواد 9، 10، 13، و11 من المرسوم رقم 017/2017 الصادر بتاريخ: 15 /02/ 2017 المطبق لقانون محاربة الفساد؛ والذي “يحدد إجراءات تنظيم وسير عمل فرق النيابة العامة والتحقيق لمكافحة الفساد” على ما يلي: “تَعْيين القاضي المكلف بالتحقيق في مكافحة الفساد: يُوَجَّه طلبُ إجراء التحقيق الصادر عن وكيل الجمهورية والأوراق المرفقة إلى منسق الفريق من أجل تعيين القاضي المكلف بالتحقيق في الملف”. (المادة 9) “قاضي التحقيق المكلف بالقضية يبت بصفة فردية في جميع إجراءات التحقيق ذات العلاقة”. (المادة 10) “يُعَيِّنُ (منسق الفريق) بأمر قضائي من بين أعضاء الفريق – بعد استشارة أعضاء الفريق الآخرين- القاضي المكلف بإدارة التحقيق”. (المادة 13، فقرتها الثانية) “ويحكم بالقرار في جلسة علنية” (المادة 11). فكل هذه المواد وغيرها من المرسوم المذكور تجاهلها ولم يعمل بها منسق فريق التحقيق، واحتوى على جميع الصلاحيات لنفسه؛ بحيث أصبح القاضي الذي يدير التحقيق والقاضي منسق فريق التحقيق في آن واحد. ولم يصرح بأمر أو قرار واحد أبدا في جلسة علنية! وكذلك فعل منسق فريق النيابة!
– وتنص المادتان 4 و93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على ما يلي: “القانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب، ويجب أن يخضع له الجميع (المادة 4). “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”. وقد تم إلغاء هاتين المادتين الدستوريتين من طرف فريقي التحقيق والنيابة؛ حيث ضربا عرض الحائط بالقانون الذي هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب والواجب خضوع الجميع له، واقتادا واتهما رئيسا سابقا للجمهورية ذا حصانة دستورية صريحة وواضحة وضوح الشمس بأفعاله أثناء ممارسة سلطاته! ولله القاضي الأمريكي الذي قال بحزم وعزم حين طلب منه الرئيس ترامب إبطال نتائج الانتخابات في ولايته: “ليس من اختصاص القضاء إلغاء أحكام الدستور”! ورَفَضَ الطلبَ!
– وتنص المواد التمهيدية و123 و138 من قانون الإجراءات الجنائية في مجال صيانة الحريات الفردية على ما يلي: “يجب أن تكون الإجراءات الجنائية عادلة وحضورية وتحفظ توازن حقوق الأطراف، ويجب أن تضمن الفصل بين السلطات المكلفة بالدعوى العمومية والسلطات المكلفة بالحكم. يجب أن يحاكم الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد”. (بعض ترتيبات المادة التمهيدية). “يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، لأجل ضمان حضوره…”. (المادة 123). “لا يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بالحبس الاحتياطي إلا إذا كان له مبرر؛ سواء كان ذلك لخطورة الوقائع أو للمنع من إخفاء أدلة الجريمة، أو للخوف من هرب المتهم، أو للخوف من ارتكاب جرائم جديدة…”. (المادة 138). و”غربلة” فريق التحقيق قد خرقت جميع هذه النصوص الآمرة؛ وذلك:
* حين كانت جميع إجراءاته غير عادلة ومخالفة لصريح القانون، وغيابية في معظمها، وتنتهك حقوق المتهم، وتحابي سلطة الادعاء العمومي وتتماهى مع طلباتها، وتستهدف متهما بعينه دون غيره ممن يوجدون معه في ظروف متشابهة ويتابَعون معه في نفس المسطرة،
* وحين لبى طلب النيابة بوضع المتهمين قيد مراقبة قضائية باطلة، لأن المشرع إنما سن المراقبة القضائية “لأجل ضمان حضور المتهم” وليس لأجل إهانة وإذلال رئيس سابق وأعضاء حكومة منصرفة تتوفر فيهم جميع ضمانات الحضور!
* وحين حبس ظلما متهما لا يتوفر في حقه أي شرط من الشروط الأربعة الوارد في المادة 138 تلبية لرغبات النيابة!
وليس هذا فحسب؛ بل إن “غربلة” فريق التحقيق فرّطت في رعاية وحماية حقوق المحبوس على ذمته، وفق ما تنص على وجوبه المسطرة الجنائية من رعاية، وسلمه “على بياض” إلى إدارتي الأمن والمخابرات اللتين أمعنتا في تجريده من جميع الحقوق الإنسانية وسعتا لتصفيته؛ مما يجعل فريق التحقيق شريكا في تلك الأفعال المريبة التي سيتم الكشف عنها ومساءلة مرتكبيها إن عاجلا أو آجلا! يضاف إلى ذلك ما ابتدعه ذلك الفريق من مفاهيم وإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان في حق موكلنا تلبية لرغبات النيابة مثل “المراقبة القضائية المشددة” و”تجددها تلقائيا” و”تحديد من يسمح لهم بالاتصال بالمراقَب قضائيا، بدل تحديد من لا يسمح لهم” وهي كلها تعسف وشطط مخالف تماما لنصوص المسطرة الجنائية الصريحة التي تحكم المراقبة القضائية!