لبنان بلا رئيس ولا حكومة وينتظر تغييرات إقليمية ودولية/ فاطمة عواد الجبوري
4 يناير 2023، 17:56 مساءً
الغريب حقاً في الأزمات اللبنانية هو أننا أمام دولة مستقلة كافحت للحصول على استقلالها من الاستعمار الفرنسي لعشرات السنوات، إلا أنها عاجزة اليوم عن خوض حوار داخلي مع الفرقاء السياسيين دون تدخل أجنبي خارجي من قوى إقليمية ودولية مؤثرة على المشهد السياسي في لبنان.
يقف بعض الفرقاء السياسيون في لبنان مكتوفي الأيدي ولا يحركون ساكناً في سبيل تحريك المياه الراكدة في أبرز الملفات العالقة كالفراغ الرئاسي وإعادة اجتماع حكومة تصريف الأعمال أو التحضير لحكومة لبنانية توافقية في المرحلة المقبلة. ويبقى المواطن اللبناني أسيراً لهذه التحزبات السياسية والمناكفات الطائفية في زمن يعاني فيه لبنان وشعبه أسوء أزمة اقتصادية مرّ بها منذ الحرب الأهلية في الثمانينيات.
هناك فجوة عميقة للغاية بين ما يعانيه المواطن اللبناني وبين ساسته، فبينما يجري تدمير الطبقة المتوسطة اللبنانية، التي كانت قادرة على التأثير في المجال السياسي، بفعل الحصار الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على لبنان، وبينما تتجه الطبقات الفقيرة من الشعب اللبناني إلى الانهيار المستمر إلى القاع في ظل العجز في تأمين الدواء والغذاء (وهي الحاجات الأساسية للبقاء)، تُؤجَل اجتماعات حكومة ميقاتي إلى الأسبوع الثاني من يناير بسبب تواجد الأخير ووزرائه في الخارج لقضاء إجازة رأس السنة، وعليه فالقضايا الأساسية المعيشية والخدماتية تبقى معلقة إلى حين.
ad
طبقاً لقواعد اللعبة السياسية والتركيبة الحزبية الطائفية في لبنان، يبدو بأن ملف الفراغ الرئاسي هو أهم الملفات السياسية العالقة والتي تنتظر تفاهمات دولية حوله. وتأتي أهمية هذا الملف لكونه مفتاح لتشكيل حكومة جديدة يجري التوافق عليها بين الفرقاء والتي قد تحظى كذلك بدعم دولي تقود من خلاله جهوداً لتخفيف معاناة المواطن اللبناني في أزمته الاقتصادية المستمرة.
يجري الحديث اليوم عن مساعي فرنسية إيجابية لعقد اجتماع رباعي في فرنسا يجمع كل من الولايات المتحدة والسعودية وقطر للبحث في الأزمة الاقتصادية والفراغ الرئاسي في لبنان. وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية فإن الولايات المتحدة تؤمن دعماً مباشراً لفرنسا وقطر في معركة توفير الأصوات لقائد الجيش العماد جوزيف عون، مع تمايز فرنسي يقضي بعدم إقفال الباب أمام تسوية قد تقود رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى القصر الجمهوري. ولكن يبدو بأن الموقف السعودي يتخذ طابع السلبية من حيث عدم الدخول في حوارات مباشرة حول موقفها فيما يتعلق بالفراغ الرئاسي أو المرشح الذي تدعمه، ويتم تعزيز هذا الموقف كذلك من خلال التأجيل المستمر لعملية الحوار مع طهران. حيث يُنتظر من عملية الحوار هذه أن تخرج بنتيجة إيجابية توافقية حول ملفات لبنان.
إن الموقف الحياد السلبي السعودي ينعكس بصورة واضحة في الاستمرار بالقطيعة الاقتصادية مع لبنان ورفض إعادة مسار الصادرات اللبنانية إلى المملكة إلى سابق عهده. ولكن من الواضح أن هناك تحركات داخلية موازية من قبل السفير السعودي في لبنان السيد “وليد البخاري” والذي يحاول الدفع بترشيح أطراف خارج إئتلاف 14 آذار مما يثير حفيظة الحلفاء التقليديين القدماء في تيار المستبقل وغيرهم والذين باتوا يلقون اللوم على السعودية في عملية تهميش التيار والطائفة السنية ككل.
على أي حال، بينما تجري الأحزاب السياسية في لبنان مناورات سياسية وتفاهمات عابرة للأحزاب لاختيار شخصية مسيحية يحظى بتأييد البرلمان للوصول إلى قصر بعبدا، يتخذ حزب الله موقفاً إيجابياً للغاية صدم الأعداء قبل الحلفاء. هذا الموقف قائم على عدم رفض أي اسم مطروح على الطاولة كما أن الحزب لم يطرح أي خطوط حمراء على انتخاب الرئيس المقبل وهذا يدل على انفتاحة كاملة على الحوار مع جميع الفرقاء السياسيين.
وقد جاءت زيارة وفد من حزب الله برئاسة رئيس المجلس السياسي ابراهيم أمين السيّد إلى بكركي للقاء البطريرك الراعي، تجسيداً لهذا النهج البناء لحزب الله الذي يرغب في التواصل مع الجميع لحل مشكلة الفراغ الرئاسي في المقام الأول ومن ثم العمل على حل المشكلات المتبقية في الملفات السياسية والاقتصادية والخدمية.