المرحلة للصفقه.. والهجمة ذكية.. والقراءة السياسية المكتملة للبيانات مطلوبة/ فؤاد البطاينة
24 فبراير 2023، 01:08 صباحًا
المؤشرات أن الأردن مقبل على قرارات سياسية كبيرة. وهي ليست وليدة لحظتها بل وليدة مخاض بعدد سنين طرح صفقة القرن، التي لا يمكن أن تمر بدون الأردن، والتي يرفضها الأردنيون ولا نسمع من النظام موقفا حاسما منها، بل نشهد تجاوبه مع العديد من لزومياتها. وبالتالي لن تكون هذه القرارات وطنية أو قومية أو شعبية. مما يفرض على المخططين لتنفيذها توفير شروط نجاحها أمام النظام. وهذا يتطلب تأمين وانجاز بندين شرطين. الأول، بناء البنية الدستورية لتنفيذ تلك القرارات دون تلكؤ، والثانية بناء البنية السياسية الأهلية التي تؤمن الاستقرار الداخلي والقبول الشعبي لسلامة وسلاسة تنفيذ القرارات.
وفي البندين المطلوبين، فإن النظام وحسب قناعاتي الشخصية يوكل مهمة التخطيط في المسائل الحساسة إلى الأمريكي بالتعاون مع الذراع الأمني الأردني، وأنه ترك لها مهمة توفير البيئة السياسية للبندين المذكورين من دون أن يكون للحكومة أو لأي جهة أو مؤسسة أردنية أخرى أي اطلاع أو علم أو مشاركة في هذا الأمر،سوى التنفيذ.
بالنسبة للبند الأول، فقد أنجزت بيئته القانونية من خلال التعديلات الدستورية الأخيرة تحت عنوان التحديث السياسي، والتي سلبت صلاحيات الحكومات وحوصلة مركز القرار وأمَّنت الطبيعة السياسية المطلوبة لمؤسسات التشريع والمصادقة بواسطة قانوني الانتخاب والأحزاب.
أما فيما يخص البند الثاني فهي المهمة المفترض أن تكون صعبة لأنها تتعامل مع شعب. وتتطلب دفن الحراكات والمعارضات الشعبية الحقيقية والمعارضون الحقيقيون. وعندما أقول الحقيقيون، فإني أعِرّفُ هذه الفئة وأفهمها كما تعرفها وتفهمها أمريكا والنظام وكل سياسي واعي، بأنها تلك التي تعارض النهج السياسي للنظام الذي يحكم كل النهوج ويقود الأردن للهاوية. ولا تخلي الملك من المسؤولية
فنحن في سياق الطرح أمام تنفيذ مهمة دفن (المعارضات الشعبية والمعارضين )الحقيقيين بطريقة ناجحة ودون ضوضاء. وهذا يتطلب عقلية تآمرية فذة وخلّاقة. ويبدو من الممارسات المستجدة على الساحة أن العقلية الأمرو صهيونية وجدت الحل وبدأت تمارسه في الساحة الأردنية بواسطة الأيدي الخفية. والمخطَّطُ هنا يقوم على ذات الفكرة التي زُيفت فيها إرادة الشعب على مستوى المؤسسات الرسمية، وذلك بنقلها لتزييف إرادة الشعب على مستوى الشارع والمعارضات فيه.
حيث يشهد الشارع السياسي الشعبي محاولات معزولة لصنع أو ابراز ناشطين يقومون بدور المعارضة المشوهة بواسطة بيانات مرتبكة يُحشد لها في وسائل التواصل. ونحن لا نشكك بالنوايا على غير هدى ولكنا نريد التوضيح لكل أصحاب النوايا الطيبة، فتطابق الرؤى والمواقف بين الملك وشعبه بطريقة قويمة غير موجود رغم أنه وحده الكفيل بجعل الملك عصياً على الإبتزاز السياسي الأمريكي وكل الضغوطات إن رغب، إذ لا شك بأن الجهات الخارجية التي تسعى لفك عرى التلاقي بين الملك والشعب، تسعى أحياناً لتقريبها على أسس مزيفة في الحالات المطلوبة لتمرير خطط التأمر على الوطن والقضية.
وهنا تأتي مهمة الشخصيات الوطنية الحريصة على الوطن في أن تتذكر بأننا في مرحلة صفقة القرن والعدو يخترقنا بعقله وبما يخطه لنا بقلمه أو يقرأه علينا. مما يُحتم عليها أن تقرأ المنشورات التي تعرض عليها في هذا الظرف الدقيق قراءة سياسية دقيقة ومكتملة ولا تؤخذ بحماسها بمجرد عبارات الإدانة “لإسرائيل” وللتطبيع وتبتلع الطعم.
فكل واع في الأردن يعلم بأن التلاعب بحس وضمير الشعب جريمة وطنية، وبأن مشكلتنا ومشكلة الملك معاً هي في النهج السياسي الصهيو غربي المفروض على النظام الأردني منذ نشأت الدولة ولم تستطع الأسرة الحاكمه لتاريخه من لإنقلاب عليه، وأن كل القرارات المؤلمة يتخذها النظام بيده تنفيذا والتزاماً بهذا النهج ودون الرجوع للشعب. ولا تغيير أو نصر لنا كشعب أو ملك ولا نجاة لوطن ما دام هذا النهج قائماً ويشكل المرجعية للقرار الأردني.
كنت أتمنى في سياق الروحية التي أكتب فيها مقالي هذا، لو انتبهت بعض الشخصيات الواعية من الموقعين على البيان وهو يُخلي النهج السياسي والنظام من المسؤولية ويتعامى عن التناقض بين أقواله وأفعاله، وينادي بدعمه للنظام مستشهداً بلاءاته في غفوة عن عبثيتها وملعوبها حين لا تقترن هذه اللاءات بالعمل وببناء أسس صمودها ومصداقيتها. بل وينادي البيان بشعارات المعارضة الحقيقة ويهاجم التطبيع والمطبعين وصفقات العار مع العدو ويتكلم بنفس الوقت عن صمود النظام الأردني وهو أكبر وأعمق المطبعين. وينادي بالإلتفاف حول النظام كمستهدَف من حكومة نتنياهو متعاميأً عن طبيعة الخلاف التي لا تمس سبباً موضوعيا في الصراع. وكما يسحج لصمود النظام بعدم مشاركته في النقب 2 ويتغافل عن السبب الشكلي المرتبط بضرورة بمشاركة سلطة عباس.
أعتقد بأن مثل هذه البيانات التي يهدف المخططون لها لخلط الأوراق على الشعب وتضليله وتدجينه على أسس خاطئة في هذه المرحله، قد اختاروا عدم الفصل بين من يختارونهم لتبني وتسويق مثل هذه البيانات وبين موقعيها. حيث تُعرض للراغبين في التوقيع بشكل مفتوح على “الواتز ” ومختلف وسائل التواصل. ولكن يمكن بناء فكرة عامة من خلال الطبيعة السياسية للموقعين. وإن كان من بينهم شخصيات نحترم ما قدمته، فليس من بينهم من كتب أو حاضر يوما ونطق بمخالفته للنهج السياسي للنظام أو حمّل يوماً أية مسؤولية للملك، ولم يُعرف منهم حراكيين معروفين أو ناشطين في الشارع. ولكن الفئة السياسية الغالبة فيهم هي الإخوان والإسلاميين، ويتوزع الباقون بين متسرعين بالقراءة وقدامى المسؤولين وبعض المتطلعين للوصول وإعادة التدوير، والماسكين العصا من وسطها وشخصيات من أحزاب مدجنة، ويردف كل هؤلاء أشخاصاً من غير المعروفين بنشاطهم السياسي. وهذا لا يضفي مصداقية على بيان.
وأختم بالقول بأن هذا المقال هو توقيعي المطلوب على المقال من أصدقاء أحترمهم، وبأن الانتباه والحذر في هذه المرحلة واجب في كل اللحظات والمناسبات من قبل الجميع، وأن دعم الملك هو بنصحه أولاً، وأن المطلوب هو تحصين الساحة الوطنية بإزالة ما يسودها من التشرذم والإختراق والخوف والنفاق، فهذا ما يتسبب في العجز عن إفراز ومأسسة معارضة حقيقية تمثل ضمير الشعب وتفرض نفسها واحترامها وصوتها على النظام وأمريكا. وإن عز هذا فلكي لا تكون الساحة بيئة مهيئة لإعادة تشكيلها بقالب سلبي.