النفط و«الغـــاز» فــي الأحاجي والألغــــاز /حسن المختار
*يحكى في المرويات التراثية عندنا في موريتانيا أن “غابون” (الضبع) -وهو بطل معظم الحكايات ذات الصلة بالحمق والفكاهة والجشع- نزل ضيفاً عند ناس أكابر، تُلزمه الأعراف والعادات بواجب إظهار الحياء والتحفظ عندهم.. وإمعاناً في إكرام «غابون» ذبح القوم خروفاً سميناً، وشرعوا في طبخه.. وعندما وصلت رائحة الطبيخ الشهي أنف «غابون» الجائع، بدأ يفقد وقار الجلسة، وما كان يبديه من «التبَرُّن» والاحترام، والالتزام.. فقام خلسة وابتعد قليلاً عن الخيمة حتى أخفاه الظلام.. والليل لباس، كما هو معلوم.. ومن على ضوء الموقد كان يسترق عن بُعد النظرَ إلى عظام اللحم الشهي وهي تترنح و«تَـتَّرْتَـخْ» في مرق اللحم! وكان المشهد من «الحلاوة» والقدرة على تسييل الريق وفتح الشهية بما لا طاقة لمخلوق على تحمله، ولذلك وقع المحذور، لا قدر الله.. والمكتوب على الجبين لابد أن تراه العين، كما يقال، ففقد «غابون» السيطرة على نفسه، وغمض عينيه واندفع لا يلوي على شيء إلى القِدر وخطف منه خطفة، وغرف غرفة، كان فيها عظم مكتنز باللحم، الْتهمه، ومسح فمه، ورجع إلى مجلسه المحترم ووقاره عند «البرانيين». وحين نبهه بعض المُكثرين على فداحة الخطأ وأنه لا يليق بمن كان في مقامه أن يكون “حواص عظم من عشائه” عند أنسبائه، لأن العشاء سيأتيه على المائدة في النهاية، ومثل هذا التصرف لا يفعله إلا الأطفال.. قال «غابون»، لا فض فوه، قولته الشهيرة: أتريدون الحقيقة.. عند الطعام تذهب العقول، وكل الرجال على المائدة أطفال. فعُدَّت حكمة من أوابد الدهر ومحاسن الأقوال، وصارت تضرب بها الأمثال.والشاهد في هذه القصة التراثية الشائعة، الذائعة، في عالم الحكايات والأحاجي والألغاز، أن الإعلان في مثل هذا اليوم من العام الماضي عن اكتشاف حقل ضخم من الغاز الطبيعي في مياهنا الإقليمية! يمكن أن يفضح وقار والتزام واحترام بعض كبار المسؤولين الموريتانيين، فيبدأون “الحوص” والغرف والخطف واللهف منذ الآن، من خلال قبض رشاوى وعمولات من تحت الطاولة من الشركات العاملة في استخراج وتصدير الغاز والنفط في موريتانيا، ولا أقصد هنا طبعاً شركة معينة باسمها. ومثل هذا الاحتمال وارد جداً، وأرجو الانتباه له منذ الآن، لأن بعض الرجال في أجهزتنا الحكومية والبيروقراطية هم على المائدة أطفال حقاً، وما فعله «غابون» محترم وملتزم مقارنة بما هم عليه من جشع وسلعة، وشوق للمنفعة. ومن مثل هذا النوع من الرجال الفاسدين تؤتى عادة العديد من الدول العربية والأفريقية، وخاصة حيث تكون أجهزة الرقابة ضعيفة، والممارسات غير شفيفة، ولكم في قصة النفط الموريتاني درس لقوم يعقلون، وآية للساخرين. ولذا أقول منذ اليوم: الحذر الحذر، البدار البدار، دققوا جيداً ووثقوا بعناية وبرقابة ملائمة كل ما يتعلق باتفاقات تقاسم الإنتاج، واستخراجه وتصديره، ومن الألف إلى الياء. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.