أهم أسباب الإنقلاب على الفرنسيين وأنظمتهم في إفريقيا/ د. بسام روبين
6 أغسطس 2023، 00:11 صباحًا
لا شك أن ظاهرة تعدد وتكرار الإنقلابات العسكرية في إفريقيا تستحق التركيز عليها ودراستها والاستفادة منها لوضع الحلول الكفيلة بوقف إنتشارها بدلاً من بعض الخطوات الراهنة التي تلوح بها بعض الدول كاستخدام القوة ضد الإنقلابيين في إجراء مخالف للقانون الدولي ولسيادة الدول ،وهذا الإجراء قليل الدسم السياسي والاخلاقي يأتي في سياق تخوف بعض تلك الدول من وصول عدوى الإنقلابات إلى بلدانهم لأنهم يعلمون جيدا أن المسببات لتلك الإنقلابات حاضرة بقوة في عواصمهم ،ويفضلون بدلا من البحث عن حلول الإصرار وتحت ضغط من الدول الإستعمارية التي أفقدتهم مقومات الحس الوطني على الإستمرار في غيهم وتنفيذ الأجندات الإستعمارية التي تسببت في ظلم الشعوب الإفريقية وإفقارها وقتل إقتصاداتها من خلال دعمهم للفساد ونشرهم للجهل والرذيلة، وجميعها عوامل عززت من تدمير هذه المجتمعات ومنعت قدرتها من النهوض بالرغم من أن بعض الدول الإفريقية غنية بالثروات والمعادن إلا أن شعوبها من أفقر شعوب العالم ويعيشون حياة بدائية منخفضة كثيرا عن الحد الأدنى لمستوى الفقر ،ولكن الشعب عندما يصر على الحياة فلا بد للقيود أن تنكسر ،ولا بد لليل أن ينجلي برغم كثافة قوى الشد العكسي على المستوى الداخلي والخارجي من أذناب الإستعمار ،فالفرنسيون يعيشون بخير ونعيم مستغلين خيرات هذه البلدان الإفريقية من خلال أنظمة يستقدمونها بالديموقراطيات المزورة التي يضحكون بها على الشعوب ويضللون العالم بها على أساس أنهم يسعون لإنقاذ تلك البلاد ،ولكنهم في حقيقة الأمر يعيدونهم إلى ما يشبه حياة الإنسان الأول ،فمثلا النيجر هي من تزود فرنسا بأسباب الطاقة والكهرباء ،ولا يوجد لديهم كهرباء ،فهم يستوردونها من نيجيريا التي قامت مؤخرا وربما بأمر من فرنسا بقطعها عن المواطنين النيجريين حتى أن الإنقطاع طال الرئيس المعزول في مقر حجزه ،فهو يعيش بدون كهرباء وبأمر من كان يعمل لديهم ،فالعلاقات بين الدول الإستعمارية والزعماء الذين يعملون ضد شعوبهم وأوطانهم هي علاقات غير وثيقة وإنما ضعيفة ومؤقتة وترتبط بمدى قوتهم وسيطرتهم على شعوبهم ،لذلك يخرج علينا في كل فترة مجموعة من الضباط الأحرار في هذه الدول ممن لديهم حسا وطنيا متقدما وعندهم قراءة جيدة لنبض الشارع الإفريقي ،فيقررون الإنحياز إلى شعبهم والإنقلاب على أنظمتهم التي يرون وجهها الحقيقي ويلمون بنقاط ضعفهم وتجاوزاتهم ،ويعلمون أن بقائهم سيتسبب بالمزيد من الفقر والظلم.
والغريب في الموضوع أن الدول الإستعمارية ومنها فرنسا لم تحاول الإستفادة من فشلها مع حدوث الإنقلاب الأول في إحدى هذه الدول الإفريقية ولا حتى من الإنقلاب الثاني ،فربما تعاني من إنفصام سياسي في سياستها الخارجية ومن انفصال ملحوظ بين سلطة الرئاسة والسلطة الامنية التي اشارت للانقلاب قبل حدوثه بأيام، ومن إعتلال ملحوظ في أي نظرة واقعية بسبب أولئك الزعماء الذين يحاولون طمئنة المستعمر باستمرار بأن الموقف تحت السيطرة والشعب نائم ،ولن تقوم له قائمة ضمن المدى المنظور وفجأة تجري الرياح بما لا يشتهي الزعماء ولا تشتهي فرنسا ،ومع ذلك يستمر ذلك الغباء السياسي مع إصرار الدول المستعمرة والتابعين لها ،وبالرغم من معارضة شعوبها ومجالس الشيوخ فيها لها إلا أنهم يصرون على إدخال إفريقيا في حرب عالمية مصغرة وأعتقد هنا أن الصمت الصيني والروسي قد يفهم في سياق الدهاء السياسي ورغبتهم بتوريط الإستعمار الغربي في المستنقع الإفريقي كما فعلت أمريكا بأوكرانيا لكي يزول هذا التواجد الاستعماري وتثور باقي الشعوب المظلومة من التواجد الغربي على أنظمتها ،وينقلب العسكر فيها على قادتهم ،وهذه هي السياسة الحديثة التي تقوم على الكذب والخداع بهدف تحقيق المصالح فقط ،فمتى يتوقف الظلم ويزول الفقر ويحارب الفساد لكي تتوقف الإنقلابات.