مهرجان.. لقطة من النسخة الثانية…/ المرتضى محمد أشفاق
لقطة من النسخة الثانية…شاركنا في الثلاث الأوائل من العشر الأواخر، من شهر الحر أيلول في مهرجان ألاك الثقافي…وصلتنا دعوة مزدوجة، للحضور والمشاركة..غصت المنصة وفضاؤها الواسع بالجمهور ليلة الافتتاح، وما زلت عند رأيي القديم، أن شعبية أنشطة الموريتانيين الصحيحة، سياسية كانت أم دعوية أم ثقافية لا تقاس بحجم الجمهور…لأن نسبة 80% ممن يحضرون أطفال.. شكرا للأطفال فهم المذموم المأكول، يستفيدون من رحمة طارئة، يغفر بها المنظمون بعض ذنوبهم، ويتجاوزون عن سيئاتهم، ويتحولون من ورم مقلق إلى ورم حميد…
أما نسبة 10% ففضوليون طوافون على البيوت، لا هم لهم، ولا رأي، ولا هدف، يجيبون داعي النوم إذا دعاهم دون تسويف..هي الدهماء يجمعها الطبل وتفرقها العصا…أماسي الخريف عادة حارة، تنتشر فيها الحشارات الطائرة المزعجة، فلا تبخل مضخات البول الفارسية في تعميمه على ما ظهر من أجساد الحاضرين، وبعض الحشرات يصفع على الجباه والعيون، والبعض يبحث عن مستقرات آمنة داخل الآذان، حتى إذا دخلها أقام فيها أعراسا صاخبة، وحفلات غير بهيجة من الطنين، ونقر الطبلة..لم تك تلك الليلة بدعا من نظيراتها في البلد كله، أخذ الجميع نصيبهمن فضل وفضلات المؤذيات، بولا، وصفعا، وأزيزا، دون تطفيف ولا تمييز بعرق، أو لون، أو رتبة وظيفية، أو جنس…
بدأت وصلة غناء مع الفنانة وردة منت همد فال وسط تصفيق وتصفير حارين بمعنى الكلمة…قطعت الفنانة- والفن إبداع- وصلتها فجأة بقولها: (ذاك بَالّْ أَيْدُو، يَوْكِي حت أنت اشحالك)، فكان هذا الخروج من أمتع فقرات السهرة لطبيعته العفوية المباغتة، واستدعت لحظة زمنية جميلة من عصور خلت، يوم كان فتاها يترصد التلاميذ، والتلميذات خاصة، في طريق الثانوية، باحتكاكات غير محترفة، لا تتجاوز غالبا محاولة فاشلة لاعتداء لا أذى فيه…أحزنتني رؤية شابات صغيرات(متكبططات)، ويظهرن في سمنة زائدة، ولم أر أقبح من(تكباط البدينة)…انسحبنا قبل اكتمال السهرة، لداعي السن والصحة، وشققنا الجموع بعسر، بحثا عن باب الخروج…كانت الفقرة الموالية محاضرة يتحدث فيها صاحبكم عن بعض الأحداث التاريخية المتعلقة بالمدينة…تقاطر الناس رشحا كما يقطر السمن المتجمد من الثقب الدقيق، إلى دار الشباب الجديدة، وبعد مهلة انتظار لم يحضر إلا جمع قليل جدا لا يبلغ عدد أظافر اليدين، اقترح صاحبكم على المشرفين التعجيل بتقديم الحصة الثقافية مُقَنِّطا من زيادة الحضور، متحججا بهيمنة عصر التفاهة..غاب سياسيون، ومثقفون، ورسميون، عن الفقرة الثقافية..ونجا النشاط من ظاهرة التسمين بالأطفال والفضوليين..