عندما دخلت مدينتكم ذات أصيل ندى / المرتضى محمد اشفاق
…قال لي هل تعلم أني دخلت مدينتكم ذات أصيل ندي، من أحد أطرافها، وتوقفت فزعا، وقلت بلسان عربي مبين: سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون..فقال تابعي ويحك هذه أحواض الفتحات العمومية في مدينتهم بناها تجار الماء في تنافسهم على التحصيل بتعطيش الناس، وإتلاف الحرث والنسل، لكنها تبدو في اصطفافها كأحواض المقابر العتيقة..
ولما دخلت السوق رأيت أحدهم يعرض إبرا صفراء، باهت لونها تسوء الناظرين، فقلت لا بأس سأشتري بعضها لأم عامر، فطالما اعتذرت عن رتق السراويل بفقدان الإبر، فقال تابعي هذا خبز هذه المدينة، وهو أدق من ساق الموصوفة هنا:
لها جسم برغوث وساقا بعوضة
ووجه كوجه القرد بل هو أقبح
فقلت خذ لي منه اثنتين: أما واحدة فلسد الفجوات بين الأسنان، وحشو حفر السوس في الأضراس، والأخرى أتذوق بها طعم صناعتهم، فقال تابعي: وثالثة تنزع بها الفظم عن أضراسك. وأصول أسنانك، فهي أدق من أرجل النمل الصائم في أودية العطش…
ولما مررنا قرب بقايا لبن مهشمة، بادية فيها الثقوب من آثار الرياح، قلت لتابعي أهذه آطلال مدينة بائدة، فقال ويحك هذه ملابن القوم، إذا قلت لها أف تصدعت من الوهن..
ولما رأيت مزع اللحم متناثرة على الأوضام قلت بخ، بخ، فقال تابعي تيدك، هذه لحوم النيب، والحدابير، وعجائز المعز العجفاء، لا تقدر عليها الأمواس، ولا الأضراس، ولا قبل لسيف أبي السبطين، وقضيب ابن شداد بها، فوالله لو أنها طبخت على نزاعة للشوى ما زادها ذلك إلا تصلبا، وتماسكا، وقد سمعت من الثقات أن قطعة منها اقتلعت ضرس سيد ولد مالك صاحب الحنفية، والسن التي تليها، وهو رجل مشهود له بقوة العضلات، والأسنان، يجعل الجلمود بين حنكه وترقوته، ثم يضغط عليه فيصير دقيقا ناعما تذروه الرياح، ويحمل المهراس الضخم الممتلئ ميرة بثنياته، ثم يقوم به، ويحيي الجمهور بيديه، ويرده إلى الأرض دون إجهاد…
فقلت: لله أبوه، ما أحقه أن ينتخب عمدة، وفضلة، وحرف جر، ونائبا، ونائبة، ورئيس جهة شرقية، وغربية..إن خير من استأجرت القوي الأمين..